هل يوجد في زمننا هذا أم عثمان؟؟
في الماضي.. عندما كنا نسكن في الأحياء الشعبية، كانت البيوت بسيطة وصغيرة ومتلاصقة ومفتوحة على بعضها، أيضاً كان قاطنوها يتصفون بذات الصفات، فقد كانوا مفتوحون على بعضهم، وبسطاء وعفويون ومتلاصقون، الآباء مع بعضهم في الأزقة وبجوار البيوت ويتزاورون، ويتفقدون بعضهم في الضراء والسراء، دار دار وبيت بيت وزنقة زنقة، والأمهات يجتمعن بصفة مستمرة ودائمة، كل عصرية، ويجتمع على هامش تلك الاجتماعات الأطفال أيضاً، في أجواء يلفها الطيبة والقلوب "النقية" البسيطة، يتنفسون أريج الجوري، ويتلحفون الياسمين، ويصبحون على عبق الفل، كانوا أسرة واحدة، ولا أبالغ إذا قلت أكثر من ذلك، كانت جارتنا "أم عثمان" نعم الجارة والأخت وأكثر من ذلك (والله) بالنسبة لوالدتي، وما زالت والدتي تتواصل معها، حتى الآن، بعد كل تلك السنوات والجيرة، التي عفا عليها الزمن، لأنها لم تجد من يغريها ويعوضها عن حبيبتها، من جيرانها الحاليين؟؟! فقد كانت أم عثمان هي الصديقة والحبيبة والأخت و"الطبيبة" نعم فقد ولد بعض أخوتي على يديها في منزلنا، وقد كانت تقسم طعامها الذي تعده لأبنائها معنا، وخصوصاً يوم الجمعة والذي كانت ترسل فيه لنا السمك واللحوح والمرسة، فقد كانت تجيد الأكلات الجنوبية، وقد كان الجيران وقتها يكملون بعضهم ويغطون نقصهم، وخاصة النساء، فكثيراً ما ترسلني الوالدة، لأحضر لها الملح أو الثوم أو البصل، أو فتاحة العلب، وغيرها من الجيران، وكذلك يفعلون هم، وكثيراً ما أمسيت ونمت عند الجيران، وبين أبنائهم وفي غرفهم الضيقة.
لن.. أطيل في هذا المحور.. فبالتأكيد أنكم تعرفون كل هذا الكلام، وبعضكم عايشه بنفسه.
ولكن المهم.. في نقاشنا، هو أين أختفت تلك الأيام الجميلة، والعلاقات الإنسانية النبيلة، أين ولت تلك القيم والأخلاق، والتكافل والترابط الحميم، ففي زماننا هذا الأخ يكره أخاه ويحذر منه، وربما أدخله المحاكم وفي قضايا تافهه، ولأطماع دنيوية، والجار لايعرف جاره، بالله عليك.. يا قارئ تلك السطور، هل تعرف اسم جارك، وهل تزوره وهل تعرف حاله؟؟! لماذا تحول الزمن وقست القلوب وتنافر الناس وخافوا من بعضهم، من قتل البساطة ومن نحر الطيبة والعفوية.
هل.. تغير الزمن أم تغير الناس أنفسهم.
هل.. وسائل الأعلام ساهمت في ذلك.
هل..لاستغناء الناس عن بعضهم بسبب الترف، وسهولة العيش دخل في ذلك.
هل.. التطور والمدنية، وتباعد البيوت عن بعضها، باعد أيضاً بين القلوب.
تقبلوا تحياتي..
|