المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > ملتقى الأدب
 

ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 16-05-2009, 02:10 AM   #196
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


ثم ودعه البدوي وتوجه في طريق بغداد وأقام كان ما كان وقال في نفسه :
يا نفسي أي وجه للرجوع مع الفقر والفاقة والله لا أرجع خائباً ولابد لي من الفرج إن شاء الله تعالى .
ثم تقدم إلى النهر وتوضأ وصلى ، فلما سجد ووضع جبهته على التراب ونادى به ربه قائلاً :
اللهم منزل القطر ورازق الدود في الصخر أسألك أن ترزقني بقدرتك ولطيف رحمتك ثم سلم من صلاته وضاق به كل مسلك .
فبينما هو جالس يلتفت يميناً وشمالاً وإذا بفارس أقبل على جواد ، وقد اقتعد ظهره وأرخى عنانه فاستوى كان ما كان جالساً وبعد ساعة وصل إليه الفارس وهو في آخر نفس لأنه كان به جرح بالغ ، فلما وصل إليه جرى دمعه على خده مثل أفواه القرب وقال لكان ما كان :
يا وجه العرب اتخذني ما عشت لك صديقاً فإنك لا تجد مثلي واسقني قليلاً من الماء ، وإن كان شرب الماء لا يصلح للجروح لاسيما وقت خروج الروح وإن عشت أعطيتك ما يدفع فقرك وإن مت فأنت المسعود بحسن نيتك .
وكان تحت الفارس حصان يتحير في حسنه الإنسان ويكل عن وصفه اللسان وله قوائم مثل أعمدة الرخام معد ليوم الحرب والزحام ، فلما نظر كان ما كان إلى ذلك الحصان أخذه الهيام وقال في نفسه :
إن هذا الحصان لا يكون في هذا الزمان .
ثم أنه أنزل الفارس ورفق به وجرعه يسيراً من الماء ثم صبر عليه حتى أخذ الراحة وأقبل عليه وقال له :
من الذي فعل بك هذه الفعال ?
فقال الفارس :
أنا أخبرك بحقيقة الحال ، إني رجل سلال غيار طول دهري أسل الخيل وأختلسها في الليل والنهار واسمي غصان آفة كل فرس وحصان وقد سمعت بهذا الحصان في بلاد الروم عند الملك أفريدون وقد سماه بالقانون ولقبه بالمجنون وقد سافرت إلى القسطنطينية من أجله وصرت أراقبه فبينما أنا كذلك إذ خرجت عجوز معظمة عند الروم وأمرها عندهم في الخداع متناهي تسمى شواهي ذات الدواهي ، ومعها هذا الجواد وصحبتها عشرة عبيد لا غير برسم خدمة هذا الحصان وهي تقصد بغداد تريد الدخول على الملك سلسان لتطلب منه الصلح والأمان ، فخرجت في أثرهم طمعاً في الحصان وما زلت أتابعهم ، ولا أتمكن من الوصول إليه لأن العبيد شداد الحرس عليه إلى أن أتوا تلك البلاد وخفت أن يدخلوا مدينة بغداد ، فبينما أنا أشاور نفسي في سرقة الحصان إذ طلع عليهم غبار حتى سد الأقطار ثم انكشف الغبار عن خمسين فارساً مجتمعين لقطع الطريق على التجار ورئيسهم يقال لهم كهرداش ولكنه في الحرب كأسد يجعل الأبطال كالفراش .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:11 AM   #197
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الفارس المجروح قال لكان ما كان :
فخرج على العجوز ومن معها كهرداش ثم أحاط بهم وهاش وناش فلم تمض ساعة حتى ربط العشرة عبيد والعجوز وتسلم الحصان وسار بهم وهو فرحان فقلت في نفسي :
قد ضاع تعبي وبلغت أربي ثم صبرت حتى أنظر ما يؤول الأمر إليه .
فلما رأت العجوز روحها في الأسر بكت وقالت لكهرداش :
أيها الفارس الهمام والبطل الضرغام ماذا تصنع بالعجوز والعبيد وقد بلغت من الحصان ما تريد ?
وخادعته بلين الكلام ، وحلفت أنها تسوق له الخيل والأنعام فأطلقها هي والعبيد ، ثم سار هو والعبيد وأصحابه وتبعتهم حتى وصلت إلى هذه الديار وأنا ألاحظه .
فلما وجدت إليه سبيلاً سرقته وركبته ، وأخرجت من مخلاتي سوطاً فضربته ، فلما أحسوا بي لحقوني وأحاطوا بي من كل مكان ورموني بالسهام والسنان وأنا ثابت عليه وهو يقاتل عني بيديه ورجليه إلى أن خرج بي من بينهم مثل النجم الطارق والسهم الراشق ، ولكن لما اشتد الكفاح أصابتني بعض الجراح وقد مضى لي على ظهره ثلاثة أيام ولم أستطعم بطعام وقد ضعفت مني القوى وهانت علي الدنيا أحسنت إلي وأشفقت علي وأراك عاري الجسد ظاهر عليك الكمد ، ويلوح عليك أثر النعمة فما يقال لك ?.
فقال كان ما كان :
أنا يقال لي كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن الملك عمر النعمان قد مات والدي وربيت يتيماً وتولى رجل لئيم وصار ملكاً على الحقير والعظيم ثم حدثه بحديثه من أوله إلى آخره .
فقال الرجل السلال وقد رق له :
إنك ذو حسب عظيم وشرف جسيم وليس لك شأن وتصير أفرس هذا الزمان فإن قدرت أن تحملني وتركب ورائي وتوديني إلى بلادي يكن لك الشرف في الدنيا والجر في يوم التناد فإنه لم يبق لي قوة أمسك بها نفسي وإن أمت في الطريق فزت بهذا الحصان وأنت أولى به من كل إنسان .
فقال له كان ما كان :
والله لو قدرت أن أحملك على أكتافي لفعلت ولو كان عمري بيدي لأعطيتك نصفه من غير هذا الجواد لأني من أهل المعروف وإغاثة الملهوف وفعل الخير لوجه الله تعالى يسد سبعين باباً من البلاء .
وعزم على أن يمله على الحصان ويسير متوكلاً على اللطيف الخبير ، فقال له :
اصبر علي قليلاً .
ثم أغمض عينيه وفتح يديه وقال :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله .
وتهيأ للممات وأنشد هذه الأبيات :
ظلمت العباد وطفـت الـبـلاد ........ وأمضيت عمري بشرب الخمور
وخضت السيول لسل الـخـيول ........ وهدم الطلول بفعل الـنـكـور
وأمري عظيم وجرمي جـسـيم ........ وفاتول منـي تـمـام الأمـور
وأملت أنـي أنـال الـمـنـى ........ بذاك الحصان فأعيا مـسـيري
وطول الحـياة أسل الـخـيول ........ فكانت وفاتي عـنـد الـغـدير
وآخر أمـري أنـي تـعـبـت ........ لرزق الغري اليتيم الـفـقـير
فلما فرغ من شعره أغمض عينيه وفتح فاه وشهق شهقة ففارق الدنيا فحفر له كان ما كان حفرة وواراه التراب ، ثم مسح وجه الحصان ورآه لا يوجد في حوزة الملك سلسان ، ثم أتته الأخبار من التجار بجميع ما جرى في غيبته بين الملك سلسان والوزير دندان خرج عن طاعة الملك سلسان هو ونصف العسكر وحلفوا أنهم ما لهم سلطان إلا كان ما كان واستوثق منهم بالأيمان ودخل بهم إلى جزائر الهند والبربر وبلاد السودان واجتمع معهم عساكر مثل البحر الزاخر لا يعرف لهم أول من آخر وعزم على أن يرجع بجميع الجيوش إلى البلاد ويقتل من يخالفه من العباد وأقسم أنه لا يرد سيف الحرب إلى غمده حتى يملك كان ما كان .
فلما بلغته هذه الأخبار غرق في بحر الأفكار ، ثم إن الملك سلسان علم أن الدولة انحرفت عليه الكبار والصغار فغرق في بحر الهموم والأكدار وفتح الخزائن وفرق على أرباب الدولة الأموال والنعم وتمنى أن يقدم عليه كان ما كان ويجذب قلبه إليه بالملاطفة والإحسان ويجعله أميراً على العساكر الذين لم يزالوا تحت طاعته لتقوى به شرارة جمرته ، ثم إن كان ما كان لما بلغه ذلك الخبر من التجار رجع مسرعاً إلى بغداد على ظهر ذلك الجواد .
فبينما الملك سلسان في ربكته حيران إذ سمع بقدوم كان ما كان فأخرج جميع العساكر ووجهاء بغداد ولاقوه ومشوا قدامه إلى القصر ودخلت الطواشية بالأخبار إلى أمه فجاءت إليه وقبلته بين عينيه ، فقال :
يا أماهد عيني أمضي إلى عمي السلطان سلسان الذي غمرني بالنعمة والإحسان . ثم إن أرباب الدولة تحيروا في وصف ذلك الحصان وفي وصف صاحبه سيد الفرسان وقالوا للملك سلسان :
أيها الملك إننا ما رأينا مثل هذا الإنسان .
ثم ذهب الملك سلسان وسلم عليه .
فلما رآه كان ما كان مقبلاً عليه قام إليه وقبل يديه ورجليه وقدم إليه الحصان هدية فرحب به وقال :
أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان ، والله لقد ضاقت بي الأرض لأجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:13 AM   #198
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان قال لكان ما كان :
أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان والله لقد ضاقت بي الأرض لجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .
ثم نظر السلطان إلى هذا الحصان المسمى القانون ، فعرف أنه الحصان الذي رآه سنة كذا وكذا في حصار عبدة الصلبان مع أبيه ضوء المكان حين قتل عمه شركان وقال له :
لو قدر عليه أبوك لاشتراه بألف جواد ولكن الآن عاد العز إلى أهله وقد قبلناه ومنا لك وهبناه وأنت أحق به من كل إنسان لأنك سيد الفرسان .
ثم أمر أن يحضر لكان ما كان خلعة سنية وجملة من الخيل وأفرد له في القصر أكبر الدور وأقبل عليه العز والسرور ، وأعطاه مالاً جزيلاً وأكرمه غاية الإكرام لأنه كان يخشى عاقبة الوزير دندان ففرح بذلك كان ما كان وذهب عنه الذل والهوان ودخل بيته وأقبل على أمه وقال :
يا أمي ما حال ابنة عمي .
فقالت :
والله يا ولدي انه كان عندي من غيبتك ما شغلني عن محبوبتك .
فقال :
يا أمي اذهبي إليها وأبلي عليها لعلها تجود علي بنظرة .
فقالت له :
إن المطامع تذل أعناق الرجال فدع عنك هذا المقال لئلا يقضي بك إلى الوبال فأنا أذهب إليها ولا أدخل بهذا الكلام عليها .
فلما سمع من أمه ذلك أخبرها بما قاله السلال من أن العجوز ذات الدواهي طرقت البلاد وعزمت على أن تدخل بغداد وقال :
هي التي قتلت عمي وجدي ولا بد أن أكشف العار وآخذ بالثأر .
ثم ترك أمه وأقبل على عجوز عاهرة محتالة ماكرة اسمها سعدانة وشكا إليها حاله وما تجده من حب قضي فكان وسألها أن تتوجه العجوز إليها وتستعطفها عليه ، فقالت له العجوز :
سمعاً وطاعة .
ثم فارقته ومضت إلى قصر قضي فكان واستعطفت قلبها عليه ، ثم رجعت إليه وأعلمته بأن قضي فكان تسلم عليه ووعدتها أنها في نصف الليل تجيء إليه .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:16 AM   #199
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الرابعة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز الماكره باكون قالت لكان ما كان :
ثم خرج إلى الحوض البارد فلم يجد أحداً فاختلى بنفسه وأطلع قطعة حشيش وبلعها فساحت في مخه فانقلب على الرخام وخيل له الحشيش أن مهتاراً كبيراً يكبسه وعبدين واقفان على رأسه واحد معه الطاسة والآخر معه آلة الحمام وما يحتاج إليه البلان فلما رأى ذلك قال في نفسه :
كأن هؤلاء غلطوا في أو من طائفتنا الحشاشين .
ثم إنه مد رجليه فتخيل له أن البلان قال له :
يا سيدي قد أزف الوقت على طلوعك ، واليوم نوبتك .
فضحك وقال في نفسه :
ما شاء الله يا حشيش .
ثم قعد وهو ساكت ، فقام البلان وأخذ بيده وأدار على وسطه مئزراً من الحرير الأسود ومشى وراءه العبدان بالطاسات والحوائج ولم يزالا به حتى أدخلاه الخلوة ، وأطلقا فيها البخور فوجدها ملآنة من سائر الفواكه والمشموم ، وشقا له بطيخة وأجلساه على كرسي من الآبنوس ووقف البلان يغسله والعبدان يصبان الماء ثم دلكوا دلكاً جيداً وقالوا له :
يا مولانا الصاحب نعيم دائم .
ثم خرجوا وردوا عليه الباب .
فلما خيل له ذلك قام ورفع المئزر من وسطه وصار يضحك إلى أن غشي عليه واستمر ساعة يضحك ، ثم قال في نفسه :
ما لهم يخاطبونني خطاب الوزير ويقولون :
يا مولانا الصاحب فلعل الأمر التبس عليهم في هذه الساعة بعد ذلك يعرفونني ويقولون هذا زليط ويشبعون صكاً في رقبتي .
ثم إنه استحمى وفتح الباب ، فتخيل له أن مملوكاً صغيراً وطواشياً قد دخلا عليه فالمملوك معه بقجة ففتحها وأخرج منها ثلاث فوط من الحرير فرمى الأولى على رأسه والأخرى على أكتافه وحزمه بالثالثة ، وقدم له الطواشي قبقاباً فلبسه وأقبلت عليه مماليكه وطواشيه وصاروا يستندونه وكل ذلك حصل وهو يضحك إلى أن خرج وطلع الليوان فوجد فرشاً عظيماً ، لا يصلح إلا للملوك وتبادرت إليه الغلمان وأجلسوه على المرتبة وصاروا يكبسونه ، حتى غلب عليه النوم .
فلما نام رأى في حضنه صبية فباسها ووضعها بين فخذيه وجلس منها مجلس الرجل من المرأة وسحبها وعصرها تحت عنده وإذا بواحد يقول :
إنتنبه يا زليط قد جاء الظهر وأنت نائم .
ففتح عينيه فوجد نفسه على الحوض البارد وحوله جماعة يضحكون عليه والفوطة انحلت من وسطه وتبين له أن كل هذا أضغاث أحلام أو تخيلات حشيش فاغتم ونظر إلى الذي نبهه وقال :
كنت اصبر حتى أنتهي من الحلم .
فقال له الناس :
أما تستحي يا حشاش وأنت نائم هكذا .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:16 AM   #200
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


وصكوه حتى احمر قفاه وهو جيعان وقد ذاق طعم السعادة في المنام .
فلما سمع كان ما كان من الجارية هذا الكلام ضحك حتى استلقى على قفاه وقال لباكون :
يا دادتي إن هذا حديث عجيب فإني ما سمعت مثل هذه الحكاية فهل عندك غيرها ?
فقالت العجوز الماكره باكون :
نعم .
ثم إنها لم تزل تحدث كان ما كان بمخاوف حكايات ونوادر مضحكات حتى غلبه النوم ولم تزل تلك الجارية جالسة عند رأسه حتى مضى غالب الليل فقالت في نفسها :
هذا وقت تجوز الفرصة ثم نهضت وسلت الخنجر ووثبت على كان ما كان وأرادت ذبحه وإذ بأم كان ما كان دخلت عليهما فلما رأتها باكون قامت لها واستقبلتها ، ثم لحقها الخوف فصارت تنتفض كأنها الحمى فلما رأتها أم كان ما كان تعجبت ونبهت ولدها من النوم .
فلما استيقظ وجد أمه جالسة فوق رأسه وكان السبب في حياته مجيئها وسبب مجيء أمه أن قضي فكان سمعت الحديث والإتفاق على قتله فقالت لأمه :
يا زوجة العم الحقي ولدك قبل أن تقتله العاهرة باكون .
وأخبرتها بما جرى من أوله إلى آخره فخرجت وهي لا تعقل شيئاً حتى دخلت في الساعة التي نام فيها وهمت باكون عليه تريد ذبحه فلما استيقظ قال لأمه :
لقد جئت يا أمي في وقت طيب ودادتي باكون حاضرة عندي في تلك الليلة .
ثم التفت إلى باكون وقال لها :
بحياتي عليك هل تعرفين حكاية أحسن من هذه الحكاية التي جدلتيني بها ?
فقالت له باكون :
وأين ما حدثتك به سابقاً مما أحدثك به الآن فإنه أعذب وأغرب ولكن أحكيه لك في غير هذا الوقت .
ثم قامت باكون وهي لا تصدق بالنجاة فقال لها :
مع السلامة .
ولمحت بمكرها أن أمه عندها خبر بما حصل فذهبت إلى حالها .
فعند ذلك قالت له والدته :
يا ولدي هذه ليلة مباركة حيث نجاك الله من الملعونة .
فقال لها :
وكيف ذلك ?
فأخبرته بالأمر من أوله إلى آخره فقال لها :
يا والدتي الحي ما له قاتل وإن قتل لا يموت ولكن الأحوط لنا أن نرحل عن هؤلاء الأعداء والله يفعل ما يريد .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:17 AM   #201
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


فلما أصبح الصباح خرج كان ما كان من المدينة واجتمع بالوزير دندان ، وبعد خروجه حصلت أمور بين الملك سلسان ونزهة الزمان أوجبت خروج نزهة الزمان أيضاً من المدينة فاجتمعت بهم واجتمع عليهم جميع أرباب دولة الملك سلسان الذين يميلون إليهم فجلسوا يدبرون الحيلة ، فاجتمع رأيهم على غزو ملك الروم وأخذ الثأر فلما توجهوا إلى غزو ملك الروم وقعوا في أسر الملك رومزان بعد أمور يطول شرحها كما يظهر من السياق .
فلما أصبح الصباح أمر الملك رومزان أن يحضر كان ما كان والوزير دندان وجماعتهما فحضروا بين يديه وأجلسهم بجانبه وأمر بإحضار الموائد فأكلوا وشربوا واطمأنوا بعد أن أيقنوا بالموت لما أمر بإحضارهم ، وقالوا لبعضهم :
إنه ما أرسل إلينا إلا لأنه يريد قتلنا .
وبعد أن اطمأنوا قال لهم :
إني رأيت مناماً قصصته على الرهبان فقالوا :
ما يفسره لك إلا الوزير دندان .
فقال الوزير دندان :
خير ما رأيت يا ملك الزمان .
فقال له الملك :
أيها الوزير رأيت إني في حفرة على ضفة بئر أسود وكان قوماً يعذبونني فأردت القيام فلما نهضت وقفت على أقدامي وما قدرت على الخروج من تلك الحفرة ، ثم التفت فيها فرأيت فيها منطقة من ذهب فمددت يدي لآخذها فلما رفعتها من الأرض رأيتها منطقتين فشددت وسطي بهما فإذا هما قد صارتا منطقة وحدة وهذا أيها الوزير منامي والذي رأيته في لذيذ أحلامي .
فقال له الوزير دندان :
اعلم يا مولانا أن رؤياك تدل على أن لك أخاً أو ابن أخ أو ابن عم أو أحد يكون من أهلك من دمك ولحمك وعلى كل حال هو من العصب .
فلما سمع الملك هذا الكلام نظر إلى كان ما كان ونزهة الزمان وقضي فكان والوزير دندان ومن معهم من الأساري وقال في نفسه :
إذا رميت رقاب هؤلاء انقطعت قلوب عسكرهم بهلاك أصحابهم ورجعت إلى بلادي عن قريب لئلا يخرج الملك من يدي .
ولما صمم على ذلك استدعى بالسياف وأمره أن يضرب رقبة كان ما كان من وقته وساعته وإذا بداية الملك قد أقبلت في تلك الساعة فقالت له :
أيها الملك السعيد على ماذا عولت ?
فقال لها :
عولت على قتل هؤلاء الأساري الذين في قبضتي ، وبعد ذلك أرمي رؤوسهم إلى أصحابهم ، ثم أحمل أنا وأصحابي عليهم حملة واحدة فنقتل الذي نقتله ونهزم الباقي وتكون هذه وقعة الإنفصال وأرجع إلى بلادي عن قريب قبل أن يحدث بعد الأمور أمور في مملكتي .
فعندما سمعت منه دايته هذا الكلام أقبلت عليه وقالت له بلسان الإفرنج :
كيف يطيب عليك أن تقتل ابن أخيك وأختك وابنة أختك .
فلما سمع الملك من دايته هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً ، وقال لها :
يا ملعونة ألم تعلمي أن أمي قد قتلت وأن أبي قد مات مسموماً وأعطيتيني خرزة وقلت لي إن هذه الخرزة كانت لأبيك فلم لا تصدقيني في الحديث ?
فقالت له :
كل ما أخبرتك به صدق ، ولكن شأني وشأنك عجيب وأمري وأمرك غريب فأنني أنا اسمي مرجانة واسم أمك ابريزة وكانت ذات حسن وجمال وشجاعتها تضرب بها الأمثال واشتهرت بالشجاعة بين الأبطال وأما أبوك فإنه الملك عمر النعمان صاحب بغداد وخراسان من غير شك ولا ريب ولا زحم بالغيب وكان قد أرسل ولده شركان إلى بعض غزواته صحبة هذا الوزير دندان وكان منهم الذي كان ، وكان أخوك الملك شركان تقدم على الجيوش وانفرد وحده عن عسكره فوقع عند أمك الملكة ابريزة في قصرها ونزلنا وإياها في خلوة للصراع فصادفناه ونحن في تلك الحالة فتصارع مع أمك فغلبته لباهر حسنها وشجاعتها ثم استضافته أمك مدة خمسة أيام في قصرها فبلغ أباها ذلك الخبر من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي وكانت أمك قد أسلمت على يد شركان أخيك فأخذها وتوجه بها إلى مدينة بغداد سراً وكنت أنا وريحانة وعشرون جارية معها وكنا قد أسلمنا كلنا على يد الملك شركان ، فلما دخلنا على أبيك الملك عمر النعمان ورأى أمك الملكة ابريزة وقع في قلبه محبتها فدخل عليها ليلة واختلى بها فحملت بك وكان مع أمك ثلاث خرزات فاعطتها لأبيك فأعطى خرزة لابنته نزهة الزمان ، وأعطى الثانية لأخيك ضوء المكان وأعطى الثالثة لأخيك الملك شركان فأخذته منه الملكة ابريزة وحفظتها لك فلما قربت ولادتها اشتاقت أمك إلى أهلها واطلعتني على سرها فاجتمعت بعبد أسود يقال له الغضبان وأخبرته بالخبر سراً ورغبته في أن يسافر معنا فأخذنا العبد وطلع بنا من المدينة وهرب بنا وكانت أمك قربت ولادتها . فلما دخلنا على أوائل بلادنا في مكان منقطع أخذ أمك الطلق بولادتها ، فحدث العبد نفسه بالزنا فأتى أمك فلما قرب منها راودها على الفاحشة فصرخت عليه صرخة عظيمة وانزعجت منه فمن عظم انزعاجها ، وضعتك حالاً وكان في تلك الساعة قد طلع علينا في البر من ناحية بلادنا غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار فخشي العبد على نفسه من الهلاك فضرب الملكة ابريزة بسيفه فقتلها من شدة غيظه وركب جواده وتوجه إلى حال سبيله وبعدما راح العبد انكشف الغبار عن جدك الملك حردوب ملك الروم فرأى أمك ابنته وهي في ذلك المكان قتيلة على الأرض جديلة فصعب ذلك عليه ، وكبر لديه وسألني عن سبب قتلها وعن سبب خروجها خفية عن بلاد أبيها فحكيت له جميع ذلك من الأول إلى الآخر وهذا هو سبب العداوة بين أهل الروم وبين أهل بغداد .
فعند ذلك حملنا أمك وهي قتيلة ودفناها في قصرها وقد احتملتك أنا وربيتك وعلقت لك الخرزة التي كانت مع أمك الملكة ابريزة ، ولما كبرت وبلغت مبلغ الرجال لم يمكنني أن أخبرك بحقيقة الأمر لأنني لو أخبرتك بذلك لثارت بينكم الحروب وقد أمرني جدك بالكتمان ولا قدرة لي على مخالفة أمر جدك حردوب ملك الروم فهذا سبب كتمان الخبر عنك وعدم إعلامك بأن أباك الملك عمر النعمان .
فلما استقللت بالمملكة أخبرتك وما أمكنني أن أعلمك إلا في هذا الوقت يا ملك الزمان وقد كشفت السر والبرهان وهذا ما عندي من الخبر وأنت برأيك أخبر .
وكان الأساري قد سمعوا من الجارية مرجانة داية الملك هذا الملك جميعه فصاحت نزهة الزمان من وقتها وساعتها صيحة عظيمة وقالت :
هذا الملك رومزان أخي من أبي عمر النعمان وأمه الملكة ابريزة بنت الملك حردوب ملك الروم وأنا أعرف هذه الجارية حق المعرفة .
فلما سمع الملك رومزان هذا الكلام أخذته الحدة وصار متحيراً في أمره وأحضر من وقته وساعته نزهة الزمان بين يديه ، فلما رآها حن الدم للدم واستخبرها عن قصته فحكت له فوافق كلامها كلام دايته فصح عند الملك أنه من غير شك ولا ارتياب وأن أباه الملك عمر النعمان فقام من تلك الساعة وحل كتاف أخته نزهة الزمان فتقدمت إليه وقبلت يديه ودمعت عيناها فبكى الملك لبكائها وأخذه حنو الأخوة ومال قلبه إلى ابن أخيه السلطان كان ما كان وقام ناهضاً على قدميه وأخذ السيف من السياف فأيقن الأسارى بالهلاك لما رأوا منه ذلك فأمر بإحضارهم بين يديه وفك وثاقهم وقال لدايته مرجانة :
اشرحي حديثك الذي شرحتيه إلى هؤلاء الجماعة .
فقالت دايته مرجانة :
اعلم أيها الملك أن هذا الشيخ هو الوزير دندان وهو لي أكبر شاهد لأنه يعرف حقيقة الأمر .
ثم إنها أقبلت عليهم من وقتها وساعتها وعلى من حضرهم من ملوك الروم وملوك الإفرنج وحدثتهم بذلك الحديث والملكة نزهة الزمان والوزير دندان ومن معها من الأسارى يصدقونها على ذلك ، وفي آخر الحديث لاحت من الجارية مرجانة التفاتة فرأت الخرزة الثالثة بعينها رفيقة الخرزتين اللتين كانتا مع الملكة ابريزة في رقبة السلطان كان ما كان فعرفتها فصاحت صيحة عظيمة دوى لها الفضاء وقالت للملك :
يا ولدي اعلم أنه قد زاد في ذلك صدق يقيني لأن هذه الخرزة التي في رقبة هذا الأسير نظير الخرزة التي وضعتها في عنقك وهذا الأسير هو ابن أخيك وهو كان ما كان .
ثم إن الجارية التفت إلى كان ما كان وقالت له :
أرني هذه الخرزة يا ملك الزمان .
فنزعها من عنقه وناولها لتلك الجارية داية الملك رومزان فاخذتها منه ثم سألت نزهة الزمان عن الخرزة الثالثة فأعطتها لها .
فلما صارت الخرزتان في يد الجارية ناولتهما للملك رومزان فظهر له الحق والبرهان وتحقق أنه عم السلطان كان ما كان وأن أباه الملك عمر النعمان ، فقام من وقته وساعته إلى الوزير دندان وعانقه ثم عانق الملك كان ما كان وعلا الصياح بكثرة الأفراح ، وفي تلك الساعة انتشرت البشائر ودقت الكاسات والطبول وزمرت الزمور وزادت الأفراح وسمع عساكر العراق والشام ضجيج الروم بالأفراح فركبوا عن آخرهم وركب الملك الزبلكان وقال في نفسه :
يا ترى ما سبب هذا الصياح والسرور الذي في عسكر الإفرنج والروم ?


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:17 AM   #202
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


وأما عساكر العراق فإنهم قد أقبلوا وعلى القتال عولوا وصاروا في الميدان ومقام الحرب والطعان .
فالتفت الملك رومزان فرأى العساكر مقبلين للحرب متهيئين فسأل عن سبب ذلك فأخبروه بالخبر فأمر قضي فكان ابنة أخيه شركان أن تسير من وقتها وساعتها إلى عسكر الشام والعراق وتعلمهم بحصول الاتفاق وأن الملك رومزان ظهر أنه عم السلطان كان ما كان فسارت قضي فكان بنفسها ونفت عنها الشرور والأحزان حتى ولت الملك الزبلكان وسلمت عليه وأعلمته بما جرى من الاتفاق وأن الملك رومزان ظهر أنه عمها وعم كان ما كان وحين أقبلت عليه وجدته باكي العين خائفاً على الأمراء والأعيان فشرحت له القصة من أولها إلى آخرها فزادت أفراحهم وزالت أتراحهم وركب الملك الزبلكان هو وجميع الأكابر والأعيان وسارت قدامهم الملكة قضي فكان حتى أوصلتهم إلى سرادق الملك رومزان ، فلما دخلوا عليه وجدوه جالساً مع ابن أخيه السلطان كان ما كان وقد استشاره هو والوزير دندان في أمر الملك الزبلكان فاتفقوا على أنهم يسلمون إليه مدينة دمشق الشام ويتركونه ملكاً عليها كما كان مثل العادة وهم يدخلون إلى العراق فجعلوا الملك الزبلكان عاملاً على دمشق الشام ، ثم أمروه بالتوجه إليها فتوجه بعساكره إليها ومشوا معه ساعة لأجل الوداع واجتمع العسكران مع بعضهم ، ثم إن الملوك قالوا لبعضهم :
ما بقيت قلوبنا تستريح ولا يشفي غيظنا إلا بأخذ الثأر وكشف العار بالإنتقام من العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي .
فعند ذلك سار الملك رومزان مع خواصه وأرباب دولته وفرح السلطان كان ما كان بعمه الملك رومزان ودعا للجارية مرجانة حيث عرفتهم ببعضهم ثم ساروا ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى أرضهم فسمع الحاجب الكبير سلسان فطلع وقبل يد الملك رومزان فخلع عليه ، ثم إن الملك رومزان جلس وأجلس ابن أخيه السلطان كان ما كان إلى جانبه ، فقال كان ما كان لعمه الملك رومزان :
يا عم ما يصلح هذا الملك إلا لك .
فقال له الملك رومزان :
معاذ الله أن أعارضك في ملكك .
فعند ذلك أشار إليهما الوزير دندان أن يكون الاثنان في الملك سواء وكل واحد يحكم يوماً فارتضيا بذلك .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:18 AM   #203
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الخامسة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنهما اتفقا على أن كل واحد يحكم يوماً واحداً ، ثم أولموا الولائم وذبحوا الذبائح وزادت بهم الأفراح وأقاموا على ذلك مدة من الزمان كل ذلك والسلطان كان ما كان يقطع ليله مع بنت عمه قضي فكان ، وبعد تلك المدة بينما وهم قاعدون فرحون بهذا الأمر وانصلاح الشأن إذ ظهر لهم غبار قد علا وطار حتى سد الأقطار وقد أتى إليهم من التجار صارخ يستغيث وهو يصيح ويقول :
يا ملوك الزمان كيف أسلم في بلاد الكفار وأنهب في بلادكم وهي بلاد العدل والأمان ?
فأقبل عليه الملك رومزان وسأله عن حاله فقال له :
أنا تاجر من التجار ولي غائب عن الأوطان مدة مديدة من الزمان واستغرقت في البلاد نحو عشرين سنة من الأعوام وأن معي كتاباً من مدينة دمشق كان قد كتبه إلي المرحوم الملك شركان وسبب ذلك أنني أهديت له جارية ، فلما قربت من تلك البلاد وكان معي مائة حمل من تحف الهند وأتيت بها إلى بغداد التي هي حرمكم ومحل أمنكم وعدلكم خرجت علينا عربان ومعهم أكراد مجتمعة من جميع البلاد فقتلوا رجالي ونهبوا أموالي وهذا شرح حالي .
ثم إن التاجر بكى بين يد الملك رومزان وحوقل واشتكى فرحمه الملك ورق إليه وكذلك رحمه ابن أخيه الملك كان ما كان وحلفوا أنهم يخرجون إليه فخرجوا إليه في مائة فارس كل فارس يعد بين الرجال بألوف وذلك التاجر سار أمامهم يدلهم على الطريق ، ولم يزالوا سائرين ذلك النهار وطول الليل إلى السحر حتى أشرفوا على واد غزير الأنهار كثير الأشجار فوجد القوم قد تفرقوا في ذلك وقسموا بينهم أحمال ذلك التاجر وبقي البعض فأطبق عليهم المائة فارس وأحاطوا بهم من كل مكان وصاح عليهم الملك رومزان وابن أخيه كان ما كان ، فما كان غير ساعة حتى أسروا الجميع وكانوا ثلاثمائة فارس مجتمعين من أوباش العربان فلما أسروهم أخذوا ما معهم من مال التاجر وشدوا وثاقهم وطلعوا بهم إلى مدينة بغداد ، فعند ذلك جلس الملك رومزان هو وابن أخيه الملك كان ما كان على تخت واحد مع بعضهما ثم عرضوا الجميع بين أيديهما وسألاهم عن حالهم وعن كبارهم فقالوا :
ما لنا كبار سوى ثلاثة أشخاص وهم الذين جمعونا من سائر النواحي والأقطار .
فقالا لهم :
ميزونا بأعيانهم .
فميزوهم لهما فأمر بالقبض عليهم وإطلاق بقية أصحابهم بعد أخذ جميع ما معهم من الأموال وتسليمه للتاجر ، فتفقد التاجر قماشه وماله فوجده قد هلك ربعه فوعدوه أنهم يعوضون له جميع ما ضاع منه ، فعند ذلك أخرج التاجر كتابين أحدهما بخط شركان والآخر بخط نزهة الزمان وقد كان التاجر اشترى نزهة الزمان من البدوي وهي بكر وقدمها لأخيها شركان وجرى بينهما ما جرى ، ثم سمع أن الملك كان ما كان وقف على الكتابين وعرف خط عمه شركان وسمع حكاية عمته نزهة الزمان فدخل بذلك الكتاب الثاني الذي كانت كتبته للتاجر الذي ضاع منه المال وأخبرها كان ما كان بقصة التاجر من أولها إلى آخرها فعرفته نزهو الزمان وعرفت خطها ، وأخرجت للتاجر الضيافات وأوصت عليه أخاها الملك رومزان وابن أخيها الملك كان ما كان فأمر له بأموال وعبيد وغلمان من أجل خدمته وأرسلت إليه نزهة الزمان مائة ألف درهم من المال وخمسين حملاً من البضائع وقد أتحفته بهدايا وأرسلت إليه تطلبه .
فلما حضر طلعت وسلمت عليه وأعلمته أنها بنت الملك عمر النعمان وأن أخاها الملك رومزان وابن أخيها الملك كان ما كان ففرح التاجر بذلك فرحاً شديداً وهنأها بسلامتها واجتماعها بأخيها وابن أخيها وقبل يديها وشكرها على فعلها وقال لها :
والله ما ضاع الجميل معك .
ثم دخلت إلى خدرها وأقام التاجر عندهم ثلاثة أيام ، ثم ودعهم ورحل إلى الشام وبعد ذلك أحضر الملوك الثلاثة أشخاص اللصوص الذين كانوا رؤساء قطاع الطريق وسألوهم عن حالهم فتقدم واحد منهم وقال :
اعلموا أني رجل بدوي أقف في الطريق لأخطف الصغار والبنات البكار وأبيعهم للتجار ودمت على ذلك مدة من الزمان إلى هذه الأيام وأغراني الشيطان فاتفقت مع هذين الشقيين على جمع الأوباش من الأغراب والبلدان لأجل نهب الأموال وقطع طريق التجار .
فقلوا له :
احك لنا على أعجب ما رأيت في خطفك الصغار والبنات .
فقال لهم :
أعجب ما جرى لي يا ملوك الزمان أنني من مدة اثنتين وعشرين سنة خطفت بنتاً من بيت المقدس ، ذات يوم من الأيام وكانت تلك البنت ذات حسن وجمال غير أنها كانت خدامة وعليها أثواب خلقة وعلى رأسها قطعة عباءة فرأيتها قد خرجت من الخان فخطفتها بحيلة في تلك الساعة ، وحملتها على جمل وسقت بها ، وكان أملي في أنني أذهب بها إلى أهلي في البرية وأجعلها عندي ترعى الجمال وتجمع البعر من الوادي فبكت بكاءً شديداً فدنوت منها وضربتها ضرباً وجيعاً وأخذتها إلى مدينة دمشق فرآها معي تاجر فتحير عقله لما رآها وأعجبته فصاحتها وأراد اشتراءها مني ولم يزل يزيدني في ثمنها حتى بعتها له بألف درهم ، فعندما طلبتها له رأيت منها فصاحة عظيمة وبلغني أن التاجر كساها كسوة مليحة وقدمها إلى صاحب دمشق فأعطاه قدر المبلغ الذي دفعه إلي مرتين وهذا يا ملوك الزمان أعجب ما جرى ، ولعمري إن ذلك الثمن قليل في تلك البنت .
فلما سمع الملوك هذه الحكاية ولما سمعت نزهة الزمان من البدوي ما حكاه صار الضياء في وجهها ظلاماً وصاحت وقالت لأخيها رومزان :
إن هذا البدوي الذي خطفني من بيت المقدس بعينه من غير شك .
ثم إن نزهة الزمان حكت لهم جميع ما جرى لها معه في غربتها من الشدائد والضرب والجوع والذل والهوان ، ثم قالت لهم :
الآن حل لي قتله .
ثم جذبت السيف وقامت إلى البدوي لقتله وإذا هو صاح وقال :
يا ملوك الزمان لا تدعوها تقتلني حتى احكي لكم ما جرى لي من العجائب .
فقال لها ابن أخيها كان ما كان :
يا عمتي دعيه يحكي لنا حكاية وبعد ذلك افعلي ما تريدين .
فرجعت عنه فقال له الملوك :
الآن احك لنا حكاية .
فقال البدوي :
يا ملوك الزمان إن حكيت لكم حكاية عجيبة تعفوا عني .
قالوا له :
نعم .
فابتدأ البدوي يحدثهم بأعجب ما وقع له وقال :
اعلموا أني من مدة يسيرة أرقت ليلة أرقاً شديداً وما صدقت أن الصباح طلعت حتى قمت من وقتي وساعتي وتقلدت بسيفي وركبت جوادي واعتقلت


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:19 AM   #204
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


رمحي وخرجت أريد الصيد والقنص ، فواجهني جماعة في الطريق فسألوني عن قصدي فأخبرتهم به فقالوا :
ونحن رفقاؤك فنزلنا كلنا مع بعضنا فبينما نحن سائرون وإذا بنعامة ظهرت لنا فقصدناها ففرت من بين أيدينا وهي فاتحة أجنحتها ولم تزل شاردة ونحن خلفها إلى الظهر حتى رمتنا في برية لا نبات فيها ولا ماء ولا نسمع فيها غير صفير الحيات وزعيق الجان وصريخ الغيلان .
فلما وصلنا إلى ذلك المكان غابت عنا فلم ندر أفي سماء طارت أم في الأرض غارت فرددنا رؤوس الخيل وأردنا الرواح ، ثم رأيت أن الرجوع في هذا الوقت الشديد الحر لا خير فيه ولا إصلاح وقد اشتد علينا الحر وعطشنا عطشاً شديداً ووقفت خيولنا فأيقنا بالموت .
فبينما نحن كذلك إذ نظرنا من بعيد مرجاً أفيح فيه غزلان تمرح وهناك خيمة مضروبة وفي جابن الخيمة حصان مربوط وسنان يلمع على رمح مركوز فانتعشت نفوسنا من بعد اليأس ورددنا رؤوس خيلنا نحو تلك الخيمة نطلب ذلك المرج والماء وتوجه إليه جميع أصحابي وأنا في أولهم ولم نزل سائرين حتى وصلنا إلى ذلك المرج فوقفنا على عين فشربنا وسقينا خيلنا فأخذتني حمية الجاهلية وقصدت باب ذلك الخباء فرأيت فيه شاباً لا نبات بعارضيه وهو كأنه هلال وعن يمينه جارية هيفاء كأنها قضيب بان ، فلما نظرت إليها وقعت محبتها في قلبي فسلمت على ذلك الشاب فرد علي السلام فقلت :
يا أخا العرب أخبرني من أنت وما تكون لك تلك الجارية التي عندك ?
فأطرق الشاب رأسه إلى الأرض برهة ثم رفع رأسه وقال :
أخبرني من أنت وما الخيل التي معك ?
فقلت له :
أنا حماد بن الفزاري الفارس الموصوف الذي أعد بين العرب بخمسمائة فارس ونحن خرجنا من محلنا نريد الصيد والقنص فأدركنا العطش فقصدت أنا باب تلك الخيمة لعلي أجد عندكم شربة ماء .
فلما سمع مني ذلك الكلام التفت إلى جارية مليحة وقال :
ائتي إلى هذا الرجل بالماء وما حصل من الطعام .
فقامت الجارية تسحب أذيالها والحجال الذهب تخشخش في رجليها وهي تتعثر في شعرها وغابت قليلاً ثم أقبلت وفي يدها اليمنى إناء من فضة مملوء ماء بارد وفي يدها اليسرى قدح ملآن تمراً ولبناً وما حضر من لحم الوحوش فما استطعت أن آخذ من الجارية طعاماً ولا شراباً من شدة محبتي لها فتمثلت بهذين البيتين وقلت :
كأن الخضاب علـى كـفـهـا ........ غراب على ثـلـجة واقـف
ترى الشمس والبدر من وجهها ........ قريبـين خـاف وذا خـائف
ثم قلت للشاب بعد أن أكلت وشربت :
يا وجيه العرب اعلم أني أوقفك على حقيقة خبري وأريد أن تخبرني بحالك وتوقفني على حقيقة خبرك .
فقال الشاب :
أما هذه الجارية فهي أختي .
فقلت له :
أريد أن تزوجني بها طوعاً وإلا أقتلك وآخذها غصباً .
فعند ذلك أطرق الشاب رأسه إلى الأرض ساعة ثم رفع بصره إلي وقال لي :
لقد صدقت في دعواك أنك فارس معروف وبطل موصوف وأنك أسد البيداء ولكن إن هجمتم علي غدراً وقتلتموني قهراً وأخذتم أختي فإن هذا يكون عاراً عليكم ، وإن كنتم على ما ذكرتم من أنكم فرسان تعدون من الأبطال ولا تبالون بالحرب والنزال فأمهلوني قليلاً حتى ألبس آلة حربي وأتقلد سيفي وأعتقل برمحي وأركب فرسي وأصير وإياكم في ميدان الحرب فإن ظفرتم بي وقتلتموني فهذه الجارية أختي لكم .
فلما سمعت منه هذا الكلام قلت له :
إن هذا هو الإنصاف وما عندنا خلاف .
ثم رددت رأس جوادي إلى خلفي وقد زاد بي الجنون في محبة تلك الجارية ورجعت إلى أصحابي ووصفت لهم حسنها وجمالها وحسن الشاب الذي عندها وشجاعته وقوة جنانه وكيف أنه يصادم ألف فارس ، ثم أعلمت أصحابي بجميع ما في الخباء من الأموال والتحف وقلت لهم :
اعلموا أن هذا الشاب ما هو منقطع في تلك الأرض إلا لكونه ذا شجاعة عظيمة وأنا أوصيكم أن كل من يقتل هذا الغلام يأخذ أخته .
فقالوا :
رضينا بذلك .
ثم إن أصحابي لبسوا آلة حربهم وركبوا خيولهم وقصدوا الغلام فوجدوه قد لبس آلة حربه وركب جواده ووثبت إليه أخته وتعلقت بركابه وبلت برقعها بدموعها وهي تنادي بالويل والثبور من خوفها على أخيها وتنشد هذه الأبيات :
إلى الله أشكـو مـحـنة وكـآبة ........ لعل إله العرش يرهقهم رعبـا
يريدون قتلاً يا أخـي تـعـمـدا ........ ولا شيء من قبل القتال ولا ذنبا
وقد عرف الأبطال أنـك فـارس ........ وأشجع من حل المشارق والغربا
تحامي من الأخت التي قل عزمها ........ فأنت أخوها وهي لك تدعو الربّا
فلا تترك الأعداء تملك مهجتـي ........ وتأخذني قهراً وتأسرني غصبـا
ولست وحق الله أبقـى بـبـلدة ........ وأسكن لحداً فيه أفترش التربـا
فلما سمع أخوها شعرها بكى بكاءً شديداً ورد جواده إلى أخته وأجابها على شعرها بقوله :
قفي وانظري مني وقوع عجائب ........ إذا ما التقينا حين أثخنهم ضربا
وإن برز الليث المقـدم فـيهـم ........ وأشجعهم قلباً وأثبتـهـم لـبـا
سأسقيه مني ضربة ثعـلـبـية ........ وأترك الرمح يستغرق الكعبـا
وإن لم أقاتل عنك أختـي فليتني ........ قتيل وليت الطير تنهبني نهبا
أقاتل عنك ما استطعت تكرمــا ........ هذا حديث بعدنا يملأ الكتبـا
فلما فرغ من شعره قال :
يا أختي اسمعي ما أقول لك وما أوصيك به .
فقالت له :
سمعاً وطاعة .
فقال لها :
إن هلكت فلا تمكني أحداً من نفسك .
فعند ذلك لطمت على وجهها وقالت :
معاذ الله أن أراك صريعاً وأمكن الأعداء مني .
فعند ذلك مد الغلام يده إليها وكشف برقعها عن وجهها فلاحت لنا صورتها كالشمس من تحت الغمام فقبلها بين عينيها وودعها وبعد ذلك التفت وقال لنا :
يا فرسان هل أنتم ضيفان أو تريدون الضرب والطعان ، فإن كنتم ضيفاناً فأبشروا بالقرى وإن كنتم تريدون القمر الزاهر فليبرز لي منكم فارس بعد فارس في هذا الميدان ومقام الحرب والطعان .
فعند ذلك برز إليه شجاع فقال له الشاب :
ما اسمك وما اسم أبيك فإني حالف أني ما أقتل من اسمه موافق لاسمي واسم أبيه موافق لاسم أبي ، فإن كنت بهذا الوصف فقد سلمت إليك الجارية .
فقال له الفارس :
اسمي بلال .
فأجابه الشاب بقوله :
كذبت في قولك مـن بـلال ........ وجئت بالزور وبالمـحـال
إن كنت شهماً فاستمع مقالي ........ مجندل الأبطال في المجـال
وصارمي ماض كما الهـلال ........ فاصبر لطعن مرجف الجبال
ثم حملا على بعضهما فطعنه الشاب في صدره فخرج السنان من ظهره ثم برز إليه واحد فقال الشاب :
يا أيها الكلب وخيم الرجـس ........ فأين عال سعره من بخـس
وإنما الليث الكريم الجنـس ........ من لم يبال في الوغى بنفس
ثم لم يمهله الشاب دون أن تركه غريقاً في دمه ، ثم نادى الشاب :
هل من مبارز ?
فبرز إليه واحد فانطلق على الشاب وجعل يقول :
إليك أقبلت وفي قلبي لـهـب ........ منه أنادي عند صحبي بالحرب
لما قتلت اليوم سادات العـرب ........ فاليوم لا تلقى فكاكاً من طلب
فلما سمع الشاب كلامه أجاب بقوله :
كذبت بئس أنت من الشيطان ........ قد جئت بالزور والبهتـان
اليوم تلقى فاتك الـسـنـان ........ في موقف الحرب والطعان
ثم طعنه في صدره فطلع السنان من ظهره ، ثم قال :
هل من مبارز ?
فخرج إليه الرابع وسأله الشاب عن اسمه فقال له الفارس :
اسمي هلال .
فأنشد يقول :
أخطأت إذا أردت خوض بحري ........ وجئت بالزور وكـل أمـري
أنا الذي تسمع مني شـعـري ........ أختلس النفس ولسـت تـدري
ثم حملا على بعضهما واختلف بينهما ضربتا فكانت ضربة الشاب هي السابقة إلى الفارس فقتله وصار كل من نزل إليه يقتله ، فلما نظرت أصحابي قد قتلوا قلت في نفسي :
إن نزلت إليه في الحرب لم أطقه وإن هربت أبقى معيرة بين العرب .
فلم يمهلني الشاب دون أن انقض علي وجذبني بيده فأطاحني من سرجي فوقعت مغشياً علي ورفع سيفه وأراد أن يضرب عنقي فتعلقت باذياله فحملني بكفه فصرت معه كالعصفور ، فلما رأت ذلك الجارية فرحت بفعل أخيها وأقبلت عليه وقبلته بين عينيه ، ثم إنه سلمني إلى أخته وقال لها :
دونك وإياه وأحسني مثواه لأنه دخل في زمامنا .
فقبضت الجارية على أطواق درعي وصارت تقودني كما تقود الكلب وفكت عن أخيها لامة الحرب وألبسته بدلة ونصبت له كرسياً من العاج فجلس عليها وقالت له :
بيض الله عرضك وجعلك عدة للنائبات فأجابها بهذه الأبيات :
تقول وقد رأت في الحرب أختي ........ لوامع غرتي مثل الـشـعـاع
ألا لـلـه درك مـن شـجـاع ........ تذل لحربـه أسـد الـبـقـاع
فقلت لها سلي الأبطال عـنـي ........ إذا ما فـر أربـاب الـقـراع
أنا المعروف في سعدي وجـدي ........ وعزمي قد علا أي ارتـفـاع
أيا حماد قد نـازلـت جـيشـاً ........ يريك الموت يسعى كالأفاعـي
فلما سمعت شعره حرت في أمري ونظرت إلى حالتي وما صرت إليه من الأسر وتصاغرت إلى نفسي ، ثم نظرت إلى الجارية أخت الشاب وإلى حسنها فقلت في نفسي :
هذه هي الفتنة .
وصرت أتعجب من جمالها ، وأجريت العبرات وأنشدت هذه الأبيات :
خليلي كف عن لومي وعذلـي ........ فإنني للـمـلامة غـير واع
كلفت بـغـادة لـم تـبـد إلا ........ أن دعتني في محبتها الدواعي
أخوها في الهوى أمسى رقيبي ........ وصاحب همة وطويل بـاع
ثم إن الجارية أحضرت لأخيها الطعام فدعاني إلى الأكل معه ففرحت وأمنت على نفسي من القتل ، ولما فرغ أخوها من الأكل أحضرت له آنية المدان ، ثم إن الشاب أقبل على المدام وشرب حتى شعشع المدام في رأسه واحمر وجهه ، فالتفت إلي وقال :
أنا عابد بد تميم بن ثعلبة ، إن الله وهب لك نفسك وأبقى عليك عرسك .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:20 AM   #205
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السادسة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن البدوي حماد قال :
ثم أن عابد بن تميم بن ثعلبة قال لي :
إن الله وهب لك نفسك وأبقى عليك عرسك .
وحياني بقدح شربته وحياني بثان وثالث ورابع فشربت الجميع ونادمني وحلفني أني لا أخونه فحلفت له ألفاً وخمسمائة يمين أني لا أخونه قط بل أكون له معيناً .
فعند ذلك أمر أخته أن تأتيني بعشر خلع من الحرير وهذه بدلة منها على جسدي وأمرها أن تأتيني بناقة من أحسن النياق فاتتني بناقة محملة من التحف والزاد وأمرها أن تحضر لي الحصان الأشقر فأحضرته لي ثم وهب لي جميع ذلك وقمت عندهم ثلاثة أيام قال لي :
يا أخي حماد أريد أن أنام قليلاً لأريح نفسي وقد استأمنت على نفسي وإن رأيت خيلاً ثائرة فلا تفزع منها واعلم أنهم من ثعلبة يطلبون حربي ، ثم توسد رأسه ونام .
فلما استغرق في النوم وسوس لي إبليس بقتله فقمت بسرعة وجذبت سيفه من تحت رأسه وضربته ضربة أطحت برأسه عن جثته فعلمت بي أخته فوثبت من جانب الخباء ورمت بنفسها على أخيها وشقت عليها الثياب وأنشدت هذه الأبيات :
إلى الأهل بلغ ذا الشآم الـخـبـر ........ وما لامرئ مما الحكيم قضى مفر
وأنت صريع يا أخـي متـجـنـدل ........ ووجهك يحكي حسنه دورة القمر
لقد كان يوم الشؤم يوم لـقـبـته ........ ورمحك بعد اطراد قد انكـسـر
وبعدك لا يرتاح للـخـيل راكـب ........ ولا تلد الأنثى نظيرك مـن ذكـر
وأصبح حماد لـك الـيوم قـاتـلاً ........ وقد خان أيماناً وبالعهد قد غـدر
يريد بـهـذا أن ينـال مــراده ........ لقد كذب الشيطان في كل ما أمر
فلما فرغت من شعرها قالت :
يا ملعون الجدين لماذا قتلت أخي وخنته وكان مراده أن يردك إلى بلادك بالزاد والهدايا وكان مراده أن يزوجني لك في أول الشهر .
ثم جذبت سيفاً كان عندها وجعلت قائمه في الأرض وطرفه في صدرها وانحنت عليه حتى طلع من ظهرها فخرت على الأرض ميتة فحزنت عليها وندمت حيث لا ينفع الندم وبكيت ، ثم قمت مسرعاً إلى الخباء وأخذت ما خف حمله وغلا ثمنه وسرت إلى حال سبيلي ، ومن خوفي وعجلتي لم ألتفت إلى أحد من أصحابي ولا دفنت الصبية ولا الشاب ، وهذه الحكاية أعجب من حكايتي الأولى مع البنت الخادمة التي خطفتها من بيت المقدس .
فلما سمعت نزهة الزمان من البدوي هذا الكلام تبدل النور في عينيها بالظلام وقامت وجردت السيف وضربت به البدوي على عاتقه فأطلعته من علائقه فقال لها الحاضرون :
لأي شيء استعجلت على قتله ?
فقالت :
الحمد لله الذي فسح من أجلي حتى أخذت ثأري بيدي .
ثم أنها أمرت العبيد أن يجروه من رجليه ويرموه للكلاب وبعد ذلك أقبلوا على الاثنين الباقيين من الثلاثة وكان أحدهم عبداً أسود فقالوا له :
ما اسمك أنت فأصدقنا في حديثك .
قال العبد :
اسمي الغضبان .
وأخبرهم بما وقع له مع الملكة ابريزة بنت الملك حردوب ملك الروم وكيف قتلها وهرب ، فلم يتم العبد كلامه حتى رمى الملك رومزان رقبته بالحسام .
وقال :
الحمد لله الذي أحياني وأخذت ثأر أمي بيدي .
وأخبرهم أن دايته مرجانة حكت له عن هذا العبد الذي اسمه الغضبان ، وبعد ذلك أقبلوا على الثالث وكان هو الجمال الذي اكتراه بيت المقدس إلى حمل ضوء المكان وتوصيله إلى المارستان الذي في دمشق الشام فذهب به وألقاه في المستوقد وذهب في حال سبيله ، ثم قالوا له :
أخبرنا أنت بخبرك وأصدق في حديثك فحكى لهم جميع ما وقع له مع السلطان ضوء المكان وكيف حمله من بيت المقدس بالدراهم وهو ضعيف على أن يوصله إلى الشام ويرميه بالمارستان وكيف جاء له أهل المقدس بالدراهم فأخذها وهرب بعد أن رماه في مستوقد الحمام .
فلما أتم كلامه أخذ السلطان كان ما كان السيف وضربه فرمى عنقه وقال :
الحمد لله الذي أحياني حتى جازيت هذا الخائن بما فعل مع أبي ، فإني قد سمعت هذه الحكاية بعينها من والدي السلطان ضوء المكان .
فقال الملوك لبعضهم :
ما بقي علينا إلا العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي فإنها سبب هذه البلايا حيث أوقعنا في الرزايا ومن لنا بها حتى نأخذ منها الثأر ونكشف العار .
فقال لهم الملك رومزان عم كان ما كان :
لابد من حضورها .
ثم إن الملك رومزان كتب كتاباً من وقته وساعته وأرسله إلى جدته العجوز شواهي الملقبة بذات الدواهي وذكر لها فيه أنه غاب عن مملكته دمشق والموصل والعراق وكسر عسكر المسلمين وأسر ملوكهم وقال :
أريد أن تحضري عندي من كل بد أنت والملكة صفية بنت الملك أفريدون ملك القسطنطينية ومن شئتم من أكابر النصارى من غير عسكر ، فإن البلاد أمان لأنها صارت تحت أيدينا .
فلما وصل الكتاب إليها وقرأته وعرفت خط الملك رومزان فرحت فرحاً شديداً وتجهزت من وقتها وساعتها للسفر هي والملكة صفية أم نزهة الزمان ومن صحبتهم ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى بغداد فتقدم الرسول وأخبرهم بحضورها فقال رومزان :
إن المصلحة تقتضي أن نلبس اللبس الإفرنجي ونقابل العجوز حتى نأمن من خداعها وحيلها .
فقالوا له :
سمعاً وطاعة .
ثم أنهم لبسوا لباس الإفرنج فلما رأت ذلك قضي فكان قالت :
وحق الرب المعبود لولا أني أعرفكم لقلت أنكم إفرنج .
ثم إن الملك رومزان تقدم أمامهم وخرجوا يقابلون العجوز في ألف فارس ، فلما وقعت العين على العين ترجل رومزان عن جواده وسعى إليها فلما رأته وعرفته ترجلت إليه وعانقته ففرط بيده على أضلاعها حتى كاد أن يقصفها فقالت :
ما هذا ? فلم تتم كلامها حتى نزل إليها كان ما كان والوزير دندان وزعقت الفرسان على من معها من الجواري والغلمان وأخذوهم جميعهم ورجعوا إلى بغداد وأمرهم رومزان أن يزينوا بغداد فزينوها ثلاثة أيام ، ثم أخرجوا شواهي الملقبة بذات الدواهي وعلى رأسها طرطور أحمر مكلل بروث الحمير وقدامها مناد ينادي :
هذا جزاء من يتجارى على الملوك وعلى أولاد الملوك ثم صلبوها على باب بغداد .
وأصحابها أسلموا كلهم جميعاً ثم إن كان ما كان وعمه رومزان ونزهة الزمان والوزير دندان تعجبوا لهذه السيرة العجيبة وأمروا الكتاب أن يؤرخوها في الكتب حتى تقرأ من بعدهم وأقاموا بقية الزمان في ألذ عيش وأهنأه إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهذا آخر ما انتهى إلينا من تصاريف الزمان بالملك عمر النعمان وولده شركان وولده ضوء المكان وولده كان ما كان ونزهة الزمان وقضي فكان .
ثم إن الملك شهريار قال لشهرزاد :
أشتهي أن تحكي لي شيئاً من حكاية الطيور .
فقالت شهرزاد :
حباً وكرامة .
فقالت لها أختها :
لم أر الملك في طول هذه المدة انشرح صدره غير هذه الليلة وأرجو أن تكون عاقبتك معه محمودة .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:23 AM   #206
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان طاووس يأوي إلى جانب البحر مع زوجته وكان ذلك الموضع كثير السباع وفيه من الوحوش ، غير أنه كثير الأشجار والأنهار وذلك الطاووس هو وزوجته يأويان إلى شجرة من تلك الأشجار ليلاً من خوفهما من الوحوش ويغدوان في طلب الرزق نهاراً ولم يزالا كذلك حتى كثر خوفهما فسارا يبغيان موضعاً غير موضعهما يأويان إليه .
فبينما هما يفتشان على موضع فإذا بهم تظهر لهم جزيرة كثيرة الأشجار والأنهار فنزلا في تلك الجزيرة وأكلا من ثمارها وشربا من أنهارها فبينما هما كذلك وإذا ببطة أقبلت عليهما وهي في شدة الفزع ، ولم تزل تسعى حتى أتت إلى الشجرة التي عليها الطاووس هو وزوجته فاطمأنت فلم يشك الطاووس في أن تلك البطة لها حكاية عجيبة فسألها عن حالها وعن سبب خوفها فقالت :
إنني مريضة من الحزن وخوفي من ابن آدم فالحذر ، ثم الحذر من بني آدم .
فقال لها الطاووس :
لا تخافي حيث وصلت إلينا .
فقالت البطة :
الحمد لله الذي فرج عني همي وغمي بقربكما وقد أتيت راغبة في مودتكما .
فلما فرغت من كلامهما نزلت إليها زوجة الطاووس وقالت لها :
أهلاً وسهلاً ومرحباً لا بأس عليك ومن أين يصل إلينا ابن آدم ونحن في تلك الجزيرة التي في وسط البحر ? فمن البر لا يقدر أن يصل إلينا ، ومن البحر لا يمكن أن يطلع علينا فابشري وحدثينا بالذي نزل بك واعتراك من بني آدم .
فقالت البطة :
اعلمي أيتها الطاووسة أني في هذه الجزيرة طول عمري آمنة لا أرى مكروهاً فنمت ليلة من الليالي فرأيت في منامي صورة ابن آدم وهو يخاطبني وأخاطبه وسمعت قائلاً يقول :
أيتها البطة احذري من ابن آدم ولا تغتري بكلامه ولا بما يداخله عليك فإنه كثير الحيل والخداع فالحذر الحذر من مكره فإنه مخادع ماكر كما قال الشاعر :
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ........ ويروغ منك كما يروغ الثعلب
واعلمي أن ابن آدم يحتال على الحيتان فيخرجها من البحار ويرمي الطير ببندقة من طين ويوقع الفيل بمكره وابن آدم لا يسلم أحد من شره ولا ينجو منه طير ولا وحش وقد بلغتك ما سمعته عن ابن آدم .
فاستيقظت من منامي خائفة مرعوبة وأنا إلى الآن ما انشرح صدري خوفاً على نفسي من ابن آدم لئلا يدهمني بحيلته ويصيدني بحبائله ولم يأت على آخر النهار إلا وقد ضعفت قوتي وبطلت همتي ثم إني اشتقت إلى الأكل والشرب فخرجت أتمشى وخاطري مكدر وقلبي مقبوض فلما وصلت إلى ذلك الجبل وجدت على باب المغارة شبلاً أصفر اللون ، فلما رآني ذلك الشبل فرح بي فرحاً شديداً وأعجبه لوني وكوني لطيفة الذات فصاح علي وقال لي :
اقتربي مني .
فلما قربت منه قال لي :
ما اسمك وما جنسك ?
فقلت له :
اسمي بطة وأنا من جنس الطيور .
ثم قلت له :
ما سبب قعودك إلى هذا الوقت في هذا المكان ?
فقال الشبل :
سبب ذلك أن والدي الأسد له أيام وهو يحذرني من ابن آدم فاتفق أنني رأيت في هذه الليلة في منامي صورة ابن آدم .
ثم إن الشبل حكى لي نظير ما حكيته لك فلما سمعت كلامه قلت له :
يا أسد لأني قد لجأت إليك في أن تقتل ابن آدم وتجزم رأيك في قتله فإني أخاف على نفسي منه خوفاً شديداً وازددت خوفاً على خوفي من خوفك من ابن آدم مع أنك سلطان الوحوش .
وما زلت يا أختي أحذر الشبل من ابن آدم وأوصيته بقتله حتى قام من وقته وساعته من المكان الذي كان فيه ، وتمشى وتمشيت وراءه ، ففرقع بذنبه على ظهره ولم يزل يمشي وأنا أمشي وراءه إلى مرق الطريق فوجدنا غبرة طارت وبعد ذلك انكشفت الغبرة فبان من تحتها حمار شارد عريان وهو تارة يقمص ويجري وتارة يتمرغ فلما رآه الأسد صاح عليه فأتى إليه خاضعاً .
فقال له :
أيها الحيوان الخريف العقل ما جنسك وما سبب قدومك إلى هذا المكان ?


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:23 AM   #207
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


فقال :
يا ابن السلطان أنا جنسي حمار وسبب قدومي إلى هذا المكان هروبي من ابن آدم .
فقال له الشبل :
وهل أنت خائف من ابن آدم أن يقتلك ?
فقال الحمار :
لا يا ابن السلطان وإنما خوفي أن يعمل حيلة علي ويركبني لأن عنده شيئاً يسميه البردعة فيجعلها على ظهري وشيئاً يسميه الحزام ، فيشده على بطني وشيئاً يسميه الطفر فيجعله تحت ذنبي وشيئاً يسميه اللجام فيجعله في فمي ويحمل منخاساً ينخسني به ويكلفني ما لا أطيق من الجري وإذا عثرت لعنني وإذا نهقت شتمني وبعد ذلك إذا كبرت ولم أقدر على الجري يجعل لي رجلاً من الخشب ويسلمني إلى السقائين فيحملون الماء على ظهري من البحر في القرب ونحوها كالجرار ولا أزال في ذل وهوان وتعب حتى أموت فيرموني فوق التلال للكلاب فأي شيء أكبر من هذا الهم ، وأي مصيبة أكبر من هذه المصائب ?
فلما سمعت أيتها الطاووسة كلام الحمار اقشعر جسدي من ابن آدم وقلت للشبل :
يا سيدي إن الحمار معذور وقد زادني كلامه رعباً على رعبي .
فقال الشبل للحمار :
إلى أين أنت سائر ?
فقال له الحمار :
إني نظرت ابن آدم قبل إشراق الشمس من بعيد ففررت هرباً منه ، وهاأنا أريد أنطلق ولم أزل أجري من مدة خوفي منه فعسى أن أجد لي موضعاً يأويني من ابن آدم الغدار .
فبينما ذلك الحمار يتحدث مع الشبل ذلك الكلام وهو يريد أن يودعنا ويروح إذ ظهرت لنا غبرة فنهق الحمار ونظر بعينيه إلى ناحية الغبرة وضرط ضراطاً عالية وبعد ساعة انكشفت الغبرة عن فرس أدهم بغرة كالدرهم وذلك الفرس ظريف الغرة مليح التحجيم حسن القوائم والصهيل ولم يزل يجري حتى وقف بين يدي الشبل ابن الأسد .
فلما رآه الشبل استعظمه وقال له :
ما جنسك أيها الوحش الجليل وما سبب شرودك في هذا البر العريض الطويل ?
فقال :
يا سيد الوحوش أنا فرس من جنس الخيل وسبب شرودي هروبي من ابن آدم .
فتعجب الشبل من كلام الفرس وقال :
لا تقل هذا الكلام فإنه عيب عليك وأنت طويل غليظ وكيف تخاف ابن آدم مع عظم جثتك وسرع جريك ? وأنا مع صغر جسمي قد عزمت على أن ألتقي مع ابن آدم فأبطش به ، وآكل لحمه وأسكن روع هذه البطة المسكينة وأقرها في وطنها وها أنت لما أتيت في هذه الساعة قطعت قلبي بكلامك وأرجعتني عما أردت أن أفعله فإذا كنت أنت مع عظمك قد قهرك ابن آدم ولم يخف من طولك وعرضك مع أنك لو رفسته برجلك لقتلته ولم يقدر عليك بل تسقيه كأس الردى .
فضحك الفرس لما سمع كلام الشبل وقال :
هيهات أن أغلبه يا ابن الملك فلا يغرك طولي ولا عرضي ولا ضخامتي مع ابن آدم ، لأنه من شدة حيله ومكره يصنع لي شيئاً يقال له الشكال ويضع في أربعة من قوائمي شكالين من حبال الليف الملفوفة باللباد ويصلبني من رأسي في وتد عال وأبقى واقفاً وأنا مصلوب لا أقدر أن أقعد ولا أنام وإذا أراد أن يركبني يعمل لي شيئاً في رجلي من الحديد اسمه الركاب ويضع على ظهري شيئاً اسمه السرج ، ويشده بحزامين من تحت إبطي ويضع في فمي شيئاً من الحديد يسميه اللجام ويضع فيه شيئاً من الجلد يسميه السرج فإذا ركب فوق ظهري على السرج يمسك السرج بيده ويقودني ويهمزني بالركاب في خواصري حتى يدميها ولا تسأل يا ابن السلطان فيما أقاسيه من ابن آدم ، فإذا كبرت وانتحل ظهري ولم أقدر على سرعة الجري يبيعني للطحان ليدورني في الطاحون فلا أزل دائراً فيها ليلاً ونهاراً إلى أن أهرم فيبيعني للجزار فيذبحني ويسلخ جلدي وينتف ذنبي ويبيعها للغرابلي والمناخلي ويسلي شحمي .
فلما سمع الشبل كلام الفرس ازداد غيظاً وغماً وقال له :
متى فارقت ابن آدم ?
قال :
فارقته نصف النهار وهو في أثري .
فبينما الشبل يتحدث مع الفرس في هذا الكلام وإذا بغبرة ثارت وبعد ذلك انكشفت الغبرة وبان من تحتها جمل هائج وهو يبعبع ويخبط برجليه في الأرض ولم يزل يفعل كذلك حتى وصل إلينا ، فلما رآه الشبل كبيراً غليظاً ظن أنه ابن آدم فأراد الوثوب عليه فقلت له :
يا ابن السلطان هذا ما هو ابن آدم وإنما هو جمل وكأنه هارب من ابن آدم .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:24 AM   #208
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


فبينما أنا يا أختي مع الشبل في هذا الكلام وإذا بالجمل تقدم بين أيادي الشبل وسلم عليه فرد السلام وقال له :
ما سبب مجيئك إلى هذا المكان ?
قال الجمل :
جئت هارباً من ابن آدم .
فقال له الشبل :
وأنت مع عظم خلقتك وطولك وعرضك كيف تخاف من ابن آدم ولو رفسته برجلك رفسة لقتلته .
فقال له الجمل :
يا ابن السلطان اعلم أن ابن آدم له دواهي لا تطاق وما يغلبه إلا الموت لأنه يضع في رأسي مقوداً ويسلمني إلى أصغر أولاده فيجرني الولد الصغير بالخيط مع كبري وعظمي ويحملونني أثقل الأحمال ويسافرون بي الأسفار الطوال ويستعملونني في الأشغال الشاقة إناء الليل وأطراف النهار ، وإذا كبرت وشخت وانكسرت فلم يحفظ صحبتي بل يبيعني للجزار فيذبحني ويبيع جلدي للدباغين ولحمي للطباخين ولا تسأل عما أقاسي من ابن آدم .
فقال له الشبل :
أي وقت فارقت ابن آدم ?
فقال له الجمل :
فارقته وقت الغروب وأظنه يأتي عند انصرافي فلم يجدني فيسعى في طلبي فدعني يا ابن السلطان حتى أهيج في البراري والقفار .
فقال الشبل :
تمهل قليلاً يا جمل حتى تنظر كيف أفترسه وأطعمك من لحمه وأهشم عظمه وأشرب من دمه .
فقال له الجمل :
يا ابن السلطان أنا خائف عليك منه فإنه مخادع ماكر ، ثم انشد قول الشاعر :
إذا حل الثقيل بأرض قـوم ........ فما للساكنين سوى الرحيل
فبينما الجمل يتحدث مع الشبل في هذا الكلام وإذا بغبرة طلعت وبعد ساعة انكشفت عن شيخ قصير رقيق البشرة على كتفه مقطف فيه عدة نجار وعلى رأسه شعبة وثمانية ألواح وبيده أطفال صغار وهو يهرول في مشيه وما زال يمشي حتى قرب من الشبل فلما رأيته يا أختي وقعت من شدة الخوف وأما الشبل فإنه قام وتمشى إليه ولاقاه ، فلما وصل إليه ضحك النجار في وجهه وقال بلسان فصيح :
أيها الملك الجليل صاحب الباع الطويل أسعد الله مساءك ومسعاك وزاد في شجاعتك وقواك أجرني مما دهاني وبشره رماني لأني ما وجدت لي نصيراً غيرك .
ثم إن النجار وقف بين يدي الأسد وبكى وأنّ واشتكى .
فلما سمع الشبل بكاءه وشكواه قال له :
أجرتك مما تخشاه فمن الذي ظلمك وما تكون أيها الوحش الذي ما رأيت عمري مثلك ولا أحسن صورة وأفصح لساناً منك فما شانك ?
فقال له النجار :
يا سيد الوحوش أما أنا فنجار وأما الذي ظلمني فإنه ابن آدم وفي صباح هذه الليلة يكون عندك في هذا المكان .
فلما سمع الشبل من النجار هذا الكلام تبدل الضياء في وجهه بالظلام وشخر ونخر ورمت عيناه بالشرر وصاح وقال :
والله لأسهرن في هذه الليل إلى الصباح ولا أرجع إلى والدي حتى أبلغ مقصدي .
ثم إن الشبل التفت إلى النجار وقال له :
أرى خطواتك قصيرة ولا أقدر أن اكسر باطرك لأني ذو مروءة أظن أنك لا تقدر أن تماشي الوحوش فأخبرني إلى أين تذهب ؟
فقال له النجار :
اعلم أني رائح إلى وزير والدك الفهد لأنه لما بلغه أن ابن آدم داس هذه الأرض خاف على نفسه خوفاً عظيماً وأرسل إلي رسولاً من الوحوش لأصنع له بيتاً يسكن فيه ويأوي إليه يمنع عنه عدوه حتى لا يصل إليه أحد من بني آدم فلما جاءني الرسول أخذت هذه الألواح وتوجهت إليه .
فلما سمع الشبل كلام النجار أخذه الحسد للفهد فقال له :
بحياتي لابد أن تصنع لي هذه الألواح بيتاً قبل أن تصنع للفهد بيته وإذا فرغت من شغلي فامض إلى الفهد واصنع له ما يريد .
فلما سمع النجار من الشبل هذا الكلام قال له :
يا سيد الوحوش ما أقدر أن أصنع لك شيئاً إلا إذا صنعت للفهد ما يريد ثم أجئ إلى خدمتك وأصنع لك بيتاً يحصنك من عدوك .
فقال له الشبل :
والله ما أخليك تروح من هذا المكان حتى تصنع لي هذه الألواح بيتاً .
ثم أن الشبل هم على النجار ، ووثب وأراد أن يمزح معه فلطشه بيده فرمى المقطف من على كتفه ووقع النجار مغشياً عليه فضحك الشبل عليه وقال له : ويلك يا نجار إنك ضعيف وما لك قوة فأنت معذور إذا خفت من ابن آدم .
فلما وقع النجار على ظهره اغتاظ غيظاً شديداً ولكنه كتم ذلك عن الشبل من خوفه منه ثم قعد النجار في وجه الشبل وقال له :
هاأنا أصنع لك البيت .
ثم إن النجار تناول الألواح التي كانت معه وسمر البيت ، وجعله مثل القالب قياس الشبل وخلى بابه مفتوحاً لأنه جعله على صورة صندوق وفتح له طاقة كبيرة وجعل له غطاء وثقب ثقباً كثيراً وأخرج منها مسامير مطرفة وقال للشبل :
أدخل في هذا البيت من هذه الطاقة لأقبيه عليك .
ففرح الشبل بذلك واتى تلك الطاقة فرآها ضيقة فقال له النجار :
ادخل وابرك على يديك ورجليك .
ففعل الشبل ذلك ودخل الصندوق وبقي ذنبه خارجاً ، ثم أراد الشبل أن يتأخر إلى ورائه ويخرج ، فقال له النجار :
أمهل حتى أنظر هل يسع ذنبك معك أم لا .
فامتثل الشبل أمره ثم إن النجار لف ذنب الشبل وحشاه في الصندوق ورد اللوح على الطاقة سريعاً وسمره فصاح الشبل قائلاً :
يا نجار ما هذا البيت الضيق الذي صنعته لي دعني أخرج منه .
فقال له النجار :
هيهات لا ينفع الندم على ما فات إنك لا تخرج من هذا المكان .
ثم ضحك النجار وقال للشبل :
إنك وقعت في القفص وكنت أخبث الوحوش .
فقال له :
يا أخي ما هذا الخطاب الذي تخاطبني به ?
فقال له النجار :
اعلم يا كلب البر أنك وقعت فيما كنت تخاف منه وقد رماك القدر ولم ينفعك الحذر .
فلما سمع الشبل كلامه يا أختي علم أنه ابن آدم الذي حذره منه أبوه في اليقظة والهاتف في المنام وتحققت أنه هو بلا شك ولا ريب فخفت منه على نفسي خوفاً عظيماً وبعدت عنه قليلاً وصرت أنتظر ماذا يفعل بالشبل فرأيت يا أختي ابن آدم حفر حفرة في هذا المكان بالقرب من الصندوق الذي فيه الشبل ورماه في تلك الحفرة وألقى عليه الحطب وأحرقه بالنار فكبر يا أختي خوفي ولي يومان هاربة من ابن آدم وخائفة منه فلما سمعت الطاووسة من البطة هذا الكلام .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:25 AM   #209
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue



الليلة الثامنة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الطاووسة لما سمعت من البطة هذا الكلام تعجبت منه غاية العجب وقالت :
يا أختي إنك أمنت من بني آدم لأننا في جزيرة من جزائر البحر وليس لابن آدم فيها مسلك فاختاري المقام عندنا إلى أن يسهل الله أمرك وأمرنا .
قالت البطة :
أخاف أن يطرقني طارق والقضاء لا ينفعك عنه آبق .
فقالت الطاووسة :
اقعدي عندنا وأنت مثلنا .
ولا زالت بها حتى قعدت وقالت :
يا أختي أنت تعلمين قلة صبري ولولا أني رأيتك هنا ما كنت قعدت .
فقالت الطاووسة :
إن كان جبيننا شيء نستوفاه وإن كان أجلنا فمن يخلصنا ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها .
فبينما هما في هذا الكلام إذ طلعت عليهما غبرة فعند ذلك صاحت البطة ونزلت البحر وقالت :
الحذر والحذر وإن لم يكن مفر من القدر .
وكانت الغبرة عظيمة فلما انكشفت الغبرة ظهر من تحتها ظبي فاطمأنت البطة والطاووسة ، ثم قالت البطة :
يا أختي إن الذي تفزعين منه ظبي وها هو قد أقبل نحونا فليس علينا منه بأس لأن الظبي إنما يأكل الحشائش من نبات الأرض وكما أنت من جنس الطير هو الآخر من جنس الوحوش فاطمئني ولا تهتمي فإن الهم ينحل البدن .
فلم تتم البطة كلامها حتى وصل الظبي إليها يستظل تحت الشجرة ، فلما رأى البطة والطاووسة سلم عليهما وقال لهما :
إني دخلت هذه الجزيرة اليوم فلم أر أكثر منها خصباً ولا أحسن منها مسكناً .
ثم دعاهما لمرافقته ومضافاته ، فلما رأت البطة والطاووسة تودده إليهما أقبلتا عليه ورغبتا في عشرته وتحالفوا على ذلك وصار مبيتهم واحد ومأكلهم سواء ولم يزالوا آمنين آكلين شاربين حتى مرت بهم سفينة كانت تائهة في البحر فأرست قريباً منهم فطلع الناس وتفرقوا في الجزيرة فرأوا الظبي والطاووسة والبطة مجتمعين فأقبلوا عليهم فشرد الظبي في البرية وطارت الطاووسة وبقيت البطة مخبلة ولم يزالوا بها حتى صادوها وصاحت قائلة :
لم ينفعني الحذر من القضاء والقدر .
وانصرفوا بها إلى سفينتهم .
فلما رأت الطاووسة ما جرى للبطة ارتحلت من الجزيرة وقالت :
لا أرى الآفاق الأمر أصدر لكل أحد ولولا هذه السفينة ما حصل بيني وبين هذه البطة افتراق ولقد كانت من خيار الأصدقاء .
ثم طارت الطاووسة واجتمعت بالظبي فسلم عليها وهنأها بالسلامة وسألها عن البطة فقالت له :
قد أخذها العدو وكرهت المقام في تلك الجزيرة بعدها .
ثم بكت على فراق البطة وأنشدت تقول :
إن يوم الفراق قطع قلبي ........ قطع الله قلب يوم الفراق
وأنشدت أيضاً :
تمنيت الوصال يعود يوماً ........ لأخبره بما صنع الفراق
فاغتم الظبي غماً شديداً ، ثم رد عزم الطاووسة عن الرحيل فأقام معها في تلك الجزيرة آمنين آكلين شاربين غير أنهما لم يزالا حزينين على فراق البطة فقال الظبي الطاووسة :
يا أختي قد علمت أن الناس الذين طلعوا لنا من المركب كانوا سبب فراقنا ولهلاك البطة فاحذريهم واحترسي منهم ومن مكر ابن آدم وخداعه .
قالت الطاووسة :
قد علمت يقيناً أن ما قتلها غير تركها التسبيح ، ولقد قلت لها :
إني أخاف عليك من تركك التسبيح لأن كل ما خلقه الله يسبحه فإن غفل عن التسبيح عوقب بهلاكه .
فلما سمع الظبي كلام الطاووسة قال :
أحسن الله صورتك .
وأقبل على التسبيح لا يفتر عنه ساعة وقد قيل أن الظبي يقول في تسبيحه :
سبحان الملك الديان ذي الجبروت والسلطان .
وورد أيضاً أن بعض العباد كان يتعبد في الجبال وكان يأوي إلى ذلك الجبل زوج من الحمام وكان ذلك العابد قسم قوته نصفين .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 12:57 PM   #210
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التاسعة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العابد قسم قوته إلى نصفين وجعل نصفه لنفسه ونصفه لذلك الزوج الحمام ودعا العابد لهما بكثرة النسل فكثر نسلهما ولم يكن الحمام يأوي إلى غير الجبل الذي فيه العابد وكان السبب في اجتماع الحمام بالعابد كثرة تسبيح الحمام وقيل أن الحمام يقول في تسبيحه :
سبحان خالق الخلق وقاسم الرزق وباني السماء وباسط الأرض .
ولم يزل ذلك الزوج الحمام في أرغد عيش هو ونسله حتى مات ذلك العابد فتشتت شمل الحمام وتفرق في المدن والقرى والجبال .
وقيل أيضاً أنه كان في بعض الجبال رجل من الرعاة صاحب دين وعقل وعفة وكان له غنم يرعاها وينتفع بألبانها وأصوافها وكان ذلك الجبل الذي يأوي إليه الراعي كثير الأشجار والمرعى والسباع ولم يكن لتلك الوحوش قدرة على الراعي ولا على غنمه ولم يزل مقيماً في الجبل مطمئناً لا يهمه شيء من أمر الدنيا لسعادته وإقباله على عبادته فاتفق أنه مرض مرضاً شديداً ، فدخل كهفاً في الجبل وصارت الغنم تخرج بالنهار إلى مرعاها وتأوي بالليل إلى الكهف فأراد الله أن يمتحن ذلك الراعي ويختبره في طاعته وصبره فبعث إليه ملكاً فدخل عليه في صورة امرأة حسناء وجلس بين يديه ، فلما رأى الراعي تلك المرأة جالسة عنده اقشعر بدنه منها فقال لها :
أيتها المرأة ما الذي دعاك إلى المجيء هنا وليس لك حاجة معي ، ولا بيني وبينك ما يوجب دخولك علي .
فقالت له المرأة :
أيها الرجل الإنسان أما ترى حسني وجمالي وطيب رائحتي ? أما تعلم حاجة الرجال إلى النساء فما الذي يمنعك مني ?
فقال الراعي :
إن الذي تقولينه كرهته وجميع ما تبدينه زهدته لأنك خداعة غدارة لا عهد لك ولا وفاء ، فكم من قبيح تحت حسنك أخفيته ? وكم صالح فتنته وكانت عاقبته إلى الندامة والحزن فارجعي عني أيتها المصلحة نفسها لفساد غيرها .
ثم ألقى عباءته على وجهه حتى لا يرى وجهها واشتغل بذكر ربه .
فلما رأى الملك حسن طاعته ، خرج وعرج إلى السماء وكان بالقرب من الراعي قرية فيها رجل من الصالحين لم يعلم بمكانه فرأى في منامه كأن قائلاً يقول له :
بالقرب منك في مكان كذا وكذا رجل صالح فاذهب إليه وكن تحت طاعة أمره .
فلما أصبح الصباح توجه نحوه سائراً فلما اشتد عليه الحر انتهى إلى شجرة عندها عين جارية فجلس في ظل الشجرة ليستريح ، فبينما هو جالس وإذا بوحوش وطيور أتوا إلى تلك العين ليشربوا منها ، فلما رأوا العابد جالساً نفروا ورجعوا شاردين فقال العابد في نفسه :
أنا ما استرحت هنا إلا لتعب هذه الوحوش والطيور .
ثم قام وقال معاتباً لنفسه :
لقد أضر بهذه الحيوانات في هذا اليوم جلوسي في هذا المكان فما عذري عند خالقي وخالق هذه الطيور والوحوش فإني كنت سبباً لشرودهم عن مائهم ومرعاهم فواخجلتي من ربي يوم يقتص للشاة الجماء من الشاة القرفاء .
ثم أفاض من جفنه العبرات وأنشد هذه الأبيات :
أما والله لو علـم الأنـام ........ لم خلقوا لا غفلوا وناموا
فموت ثم بعث ثم حشـر ........ وتوبيخ وأهوال عظـام
ونحن إذا نهينا أوامرنـا ........ كاهل الكهف أكثرنا نيام
ثم بكى على جلوسه تحت الشجرة عند العين ومنعه الطيور والوحوش من شربها وولى هائماً على وجهه حتى أتى الراعي فدخل عنده وسلم عليه فرد عليه السلام وعانقه ثم قال له الراعي :
ما الذي أقدمك إلى هذا المكان الذي لم يدخله أحد من الناس علي ?
فقال العابد :
إني رأيت في منامي من يصف لي مكانك ويأمرني بالسير إليك والسلام عليك وقد أتيتك ممتثلاً لما أمرت به .
فقبله الراعي وطابت نفسه بصحبته وجلس معه في الجبل يعبدان الله تعالى في ذلك الغار وحسنت عبادتهما ، ولم يزالا في ذلك المكان يعبدان ربهما ويتقوتان من لحوم الغنم وألبانها متجردين عن المال والبنين إلى أن أتاهما اليقين وهذا آخر حديثهما .
قال الملك شهريار :
لقد زهدتيني يا شهرزاد في ملكي وندمتيني على ما فرط مني في قتل النساء والبنات فهل عندك أخر شيء من حديث الطيور ?
قالت شهرزاد :
نعم يا ملك الزمان .
زعموا أيها الملك أن طيراً طار وعلا إلى الجو ثم انقض على صخرة في وسط الماء وكان الماء جارياً ، فبينما الطائر واقف على الصخرة وإذا برمة إنسان جرها الماء حتى أسندها إلى الصخرة ووقفت تلك الجيفة في جانب الصخرة وارتفعت لانتفاخها فدنا الطير وتأملها فرآها رمة ابن آدم وظهر له فيها ضرب السيف وطعن الرماح فقال في نفسه :
إن هذا المقتول كان شريراً فاجتمع عليه جماعة وقتلوه واستراحوا منه ومن شره ، ولم يزل طير الماء يكثر التعجب من تلك الرمة حتى رأى نسوراً وعقباناً أحاطوا بتلك الجيفة من جميع جوانبها ، فلما رأى طير الماء هذا جزع جزعاً شديداً وقال :
لا صبر لي على الإقامة في هذا المكان .
ثم طار منه يفتش على موضع يأويه إلى حين نفاذ تلك الجيفة وزوال سباع الطير عنها ولم يزل طائراً حتى وجد نهراً في وسطه شجرة ، فنزل عليها كئيباً حزيناً على بعده عن وطنه وقال في نفسه :
لم تزل الأحزان تتبعني وكنت قد استرحت لما رأيت تلك الجيفة وفرحت بها فرحاً شديداً وقلت :
هذا رزق ساقه الله إلي فصار فرحي غماً وسروري حزناً وهماً وافترستها سباع الطير مني وحالت بينها وبيني فكيف أرجو أن أكون سالماً في هذه الدنيا وأطمئن إليها ، وقد قيل في المثل :
الدنيا دار من لا دار له يغتر بها من لا عقل له ويطمئن بماله وولده وقومه وعشيرته ولم يزل المغتر بها راكناً إليها يختال فوق الأرض حتى يصير تحتها ويجثوا عليه التراب أعز الناس عليه وأقربهم إليه وما للفتى خير من الصبر على مكارهها وقد فارقت مكاني ووطني وكنت كارهاً لفرقة أخواني وأصحابي .
فبينما هو في فكرته وإذا بذكر من السلاحف أقبل منحدر في الماء ودنا من طير الماء وسلم عليه وقال :
يا سيدي ما الذي أبعدك عن موضعك ?
قال الطائر :
حلول الأعداء فيه ولا صبر للعاقل على مجاورة عدوه ، وما أحسن قول بعض الشعراء :
إذا حل الثقيل بأرض قـوم ........ فما للساكنين سوى الرحيل
فقال له السلحف :
إذا كان الأمر كما وصفته والحال مثل ما ذكرته فأنا لا أزال بين يديك ولا أفارقك لأقضي حاجتك وأوفي بخدمتك ، فإنه يقال لا وحشة أشد من وحشة الغريب المنقطع عن أهله ووطنه ، وقد قيل إن فرقة الصالحين لا يعد لها شيء من المصائب ومما يسمى العاقل نفسه الإستئناس في الغربة والصبر على الزرية والكربة وأرجو أن تحمد صحبتي لك وأكون لك خادماً ومعيناً .
فلما سمع طير الماء مقالة السلحف قال له :
لقد صدقت في قولك ولعمري إني وجدت للفراق ألماً وهماً وهما مدة بعدي عن مكاني وفراقي لأخواني وخلاني لأن فيه الفراق عبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر وإذا لم يجد الفتى من يسليه من الأصحاب ينقطع عنه الخير ويثبت له الشر سرمداً ، وليس للعاقل إلا التسلي بالإخوان عن الهموم في جميع الأحوال وملازمة الصبر والتجلد فإنهما خصلتان محمودتان يعينان نوائب الدهر ويدفعان الفزع والجزع من كل أمر .
فقال له السلحف :
إياك والجزع فإنه يفسد عليك عيشك ويذهب مروءتك .
ومازالا يتحدثان مع بعضهما إلى أن قال طير الماء للسلحف :
أنا لم أزل أخشى نوائب الزمان وطوارق الحدثان .
فلما سمع السلحف مقالة طير الماء أقبل عليه وقبله بين عينيه وقال له :
لم تزل جماعة الطير تعرف مشورتك الخير فكيف تحمل الهم والضير .
ولم يسكن روع طير الماء حتى اطمأن ، ثم إن طير الماء طار إلى مكان الجيفة فلما وصل إليه لم ير من سباع الطير شيئاً ولا من تلك الجيفة إلا عظماً فرجع يخبر السلحف بزوال العدو من مكانه فلما وصل إلى السلحف أخبره بما رأى وقال :
إني أحب الرجوع إلى مكاني وأتملى بخلاني لأنه لا صبر للعاقل عن وطنه .
فذهب معه إلى ذلك المكان فلم يجد شيئاً مما يخاف منه فصار طير الماء قرير العين وأنشد هذين البيتين :
ولرب نازلة يضيق لها الفتى ........ ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ........ فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ثم سكنا الجزيرة ، فبينما طير الماء في أمن وسرور وفرح وحبور إذ ساق إليه بازاً جائعاً فضربه بمخلبه ضربة فقتله ولم يغن عنه الحذر عند فراغ الأجل وسبب قتله غفلته عن التسبيح .
قيل انه كان يقول في تسبيحه :
سبحان ربنا فيما قدر ودبر ، سبحان ربنا فيما أغنى وأفقر .
هذا ما كان من حديث الطير .
فقال الملك شهريار :
لقد زدتيني بحكايتك مواعظ واعتبار فهل عند شيء من حكايات الوحوش ?
فقالت شهرزاد :
نعم يا ملك الزمان .
قال الملك شهريار :
أخبريني بما عندك .
قالت شهرزاد :
بلغني ايها الملك السعيد أن ثعلباً وذئباً ألفا وكراً فكانا يأويان إليه مع بعضهما فلبثا على ذلك مدة من الزمان وكان الذئب للثعلب قاهر ، فاتفق أن الثعلب أشار على الذئب بالرفق وترك الفساد وقال له :
إن دمت على عتوك ربما سلط الله عليك ابن آدم فإنه ذو حيل ومكر وخداع يصيد الطير من الجو والحوت من البحر ويقطع الجبال وينقلها وكل ذلك من حيله ، فعليك بالإنصاف وترك الشر والإعتساف فإنه أهنأ لطعامك .
فلم يقبل الذئب قوله وأغلظ له الرد وقال له :
لا علاقة لك بالكلام في عظيم الأمور وجسيمها .
ثم لطم الثعلب لطمة فخر منها مغشياً عليه .
فلما أفاق تبسم في وجه الذئب واعتذر إليه من الكلام الشين وأنشد هذين البيتين :
إذا كنت قد أذنبت ذنباً سالـفـاً ........ في حبكم وأتيت شيئاً منكـرا
أنا تائب عما جنيـت وعفوكـم ........ يسع المسيء إذا أتى مستغفرا
فقبل الذئب اعتذاره كف عنه أشراره وقال له :
لا تتكلم فيما لا يعنيك تسمع ما لا يرضيك .


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:56 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا