المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 01-11-2012, 02:41 PM   #16
واثقة بالله
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية واثقة بالله
واثقة بالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 26107
 تاريخ التسجيل :  10 2008
 أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
 المشاركات : 9,896 [ + ]
 التقييم :  183
لوني المفضل : Cornflowerblue


التمني

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ثانيا: التمني، فإنه من مفسدات القلب، وهو بحر لا ساحل له، يركبه مفاليس العالم، والمُنَى رأس أموال المفاليس، والمفلس هو الذي ليس عنده أعمال صالحة، أو ليس عنده عطاء لهذا الدين، ماذا يفعل لكي ينجو من لوم النفس إذا لامته، أو ينجو من تأنيب الضمير إذا أنبه؟ يعلق النفس بالأماني، ويقول: سيغفر الله لي، أليس الله بغفور رحيم! فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة تتلاعب براكب بحر التمني، وكل حسب حاجته، فمنهم من يعتمد على رحمة الله ويعصي ويحلم بالأماني، ويحلم بجنة عرضها السماوات والأرض، ولكن لا يفكر في أنها أعدت للمتقين، هؤلاء المتكلون على رحمة الله، مما ضيعهم مسألة مهمة جداً ما هي؟ إذا تأملت حالهم وجدتهم ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم، هذه عبارة مهمة جداً، ذكرها علماؤنا، "ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم"، هؤلاء أصحاب الأماني، ما هي مشكلتهم ومصيبتهم؟ إنهم ينظرون في حقهم على الله،


فيقولون: لا بد أن الله يغفر لنا، فنحن موحدون، ونحن مسلمون، قلنا: لا إله إلا الله، أليس من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ أليـس؟ أليس؟ أكيد أن الله سيغفر لنا، فينظرون في حقهم على الله، والآن كل تفكيرهم وجل همهم ماذا سيفعل الله لهم من أنواع النعيم المقيم وجنات النعيم، ولكنهم لا يفكرون في حق الله عليهم، لو فكروا في حق الله عليهم وأنهم ينبغي أن يعبدوه وأن يصلحوا شأنهم معه؛ لعرفوا تقصيرهم، ولعرفوا أنهم مهما قدموا من الصالحات فلا يزالون مقصرين، إلا إذا تداركهم الله برحمته، و(لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

فإذاً: هذا التمني من الدواهي التي تصيب القلب فتهلكه؛ لأن الإنسان لا يزال في أحلام وتخيلات، في أنواع الجزاء الذي سيأخذه يوم القيامة، وهو قد نأى بنفسه عن التفكير في حق الله عليه.

ومن الناس من يجعل تمنياته في القدرة والسلطان، فيحلم وينظر إلى المستقبل أو ينظر إلى نفسه، يتمنى أن يكون أميراً أو كبيراً أو وزيراً أو رئيساً أو زعيماً، أو مديراً أو نائب مدير، أو نائب المدير العام .
.
ونحو ذلك من الأشياء.


ومنهم من أمانيه في الضرب في الأرض والتطواف في البلدان، في السياحات، ورؤية البلدان والمناظر الخلاّبة .
.
.
إلخ.


وهذا أمانيه محصورة بهذا الجانب، ومنهم أناس من أمنياتهم أو أمانيهم في الأموال والأثمان، تاجر وربح وكسب، وتضاعف رأس ماله ولا خسارة تذكر وهكذا وتوسعت الشركات، وفتحت الفروع، وعملت الأعمال، وهكذا.
.
فهو محصور في عملية الأثمان والأموال والتجارات وكل متمن بحسبه.


ومشكلة التمني أنه يصور الأمر لهذا المتمني أنه قد فاز بمطلوبه؛ لأنه عندما يفكر أنه قد وصل وأنه حصل على هذه الأشياء، وهذا مجرد تفكير وخيالات يرتاح فيها مؤقتاً، ويلتذ لذة وهمية، لأنه لم يحصل له شيء من هذا، وإنما هي أمنيات، فبينما هو على هذه الحال إذا استيقظ فوجد الحصير في يده، ليس عنده إلا الحصير.

فلابد أن نقف وقفة بسيطة، نقول: هل خطأ أن الإنسان يتمنى مالاً، أو غنىً أو جاهاً، هل هذا خطأ في الشرع، نقول: لا.

لكن الخطأ ورد في حديث مهم جداً، ذكره عليه الصلاة والسلام: ذكر أربعة من الرجال وذكر أحوالهم، فكان مما قاله في أحد الأحاديث: (ورجل يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان) إنسان غني يعمل صالحات، وينفق أموالاً وزكوات وصدقات وكفالة أيتام ويبني المساجد ويعمل الملاجئ والأوقاف

وآخر يقول: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، وكلمة لو أن لي مال فلان، تعتبر تمنياً وهذا هو التمني المحمود؛ لأنه يتمنى لو أن له مال فلان لعمل فيه بعمل فلان، أي لتصدق وزكى وأنفق وبنى المساجد وكفل الأيتام، وتصدق على الفقراء، وأخرج المجاهدين وعمل أوقافاً إلى آخره، وطبع الكتب، ودعم الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية، وعمل مراكز ربما في الخارج، وأنفق على دعاة، وجعل رواتب للدعاة لكي يتفرغوا للدعوة، وفكر في أشياء، هذا الإنسان يؤجر على أمنيته، يؤجر على نيته الطيبة، ولو ما عنده مال، يقول عليه الصلاة والسلام: (فهما في الأجر سواء).

وآخر عنده مال عمل فيه بمعصية الله، سافر السفريات المحرمة، وأنفق الأموال على أهل الفواحش، وأرباب الفسق وقرناء السوء، وظلم في هذه المال، وقطع رحماً، ومنع زكاةً ولم يكن من المصلين، ولم يحض على طعام المسكين، ونهر السائل، وقهر اليتيم .
.
.
الخ.


هذا إنسان آثم ولا شك، وشخص آخر يقول: لو أن لي مال فلان، لعملت بعمله، لو أن لي مال فلان، لركبت السيارات، ولبست الساعة الذهب الفلانية، وسافرت إلى المحلات الفلانية، وعملت الفواحش، وعملت الموبقات، ووضعت في البنك الربوي الفلاني وجاءتني الفوائد الفلانية، إذاً: هذا الإنسان ليس له مال، لكن مجرد الأمنية هذه يأثم عليها، فيقول: عليه الصلاة والسلام: (فهما في الوزر سواء) مع أنه ليس له مال، ولكن تصور حتى تعلم أن القلب يعبد الله أو يعصي الله، يؤجر على ما في القلب ويأثم على ما في القلب، وهذا الإثم من إنسان مريد عاقد النية، لو كان له مال فلان لعمل فيه وهذا غير الخواطر، لأنه قد يقول قائل: إن الإنسان لا يأثم على الخواطر، نقول: نعم.


لا يأثم على الخواطر السيئة إذا طردها، جاءت ومرت، لكن هذا عازم، لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، معناها أن هذا الإنسان مصمم على المعصية وعاقد العزم عليها، وقلبه متجه إليها بكليته غير الشخص الذي يعي قول الله: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [الأعراف:201] فلا تتناقض في النصوص الشرعية.



هل يمكن أن تحجب التمني عن إنسان تقول له أنت يا فلان لا تتمنّ أبداً ولا تتخيل أي شيء؟ لا يمكن؛ لأن التمني شيء من ضروريات التفكير والعقل، ولا بد منه، وكل شخص يتمنى شيئاً ما.



فإذاً:ذكرنا تمنيات أهل الفسق والفجور، فما هي تمنيات أهل الصلاح؟ ذكرنا بعض التمنيات التي تصرف الإنسان عن الله في الأثمان والنسوان والسلطان .
.
.
الخ.


فما هي تمنيات أصحاب الهمة العالية؟ مثلاً: رجل يتمنى أن يحفظ صحيح البخاري ، أو يحفظ القرآن قبل ذلك، ويتمنى أن يكون قد قرأ كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ويتمنى أنه قد درس عند الشيخ الفلاني، أو يتمنى أنه كان في روابي أرض الجهاد فيجاهد في سبيل الله، يتمنى الخير ويقول: لو أن لي مالاً لعملت به بعمل فلان من الأتقياء، يتقي فيه ربه، ويخرج حقه، ويصل رحمه.


هذا التمني هو الذي ينبغي أن يكون في نفس المؤمن، يتمنى أن يقاتل أعداء الله، يتمنى أن يرفع لواء للجهاد فيكون من أوائل الخارجين في سبيل الله، هذه الأمنيات ينبغي أن تكون موجودة في القلب وهي ليست مهلكة، ولا آثمة، وإنما هي أماني المؤمن، ولكل إنسان أمانيه، فما هي أمنيتك أيها المسلم؟ إن العصاة يتمنون أن يعصوا الله بأموالهم وصاحب الدنيا يتمنى سيارة فارهة، وبيتاً من عدة أدوار، وسلطان، وأهل الآخرة أمنياتهم تختلف عن أهل الفسق تمام الاختلاف.


 

رد مع اقتباس
قديم 01-11-2012, 02:44 PM   #17
واثقة بالله
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية واثقة بالله
واثقة بالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 26107
 تاريخ التسجيل :  10 2008
 أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
 المشاركات : 9,896 [ + ]
 التقييم :  183
لوني المفضل : Cornflowerblue


كثرة الاختلاط بالناس


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أيها الإخوة! إن كثرة الاختلاط بالناس اختلاطاً شديداً بحيث لا يبقى للإنسان وقت يتفرغ فيه لنفسه ولا يتفطن فيه لعيوبه، ولا يصلح فيه قلبه، كثرة الخلطة مسألة سيئة، يتسبب عن كثرة الخلطة، وإمتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم، حتى يسود ويسبب تشتت القلب، وتفرقه ويسبب الهم والغم، وإضاعة المصالح والاشتغال بقرناء السوء، وينقسم الفكر عند كثرة الاختلاط بالناس، الاختلاط غير الشرعي، يقسم الفكر في أودية مطالب هؤلاء المخالطين، يتقسم الفكر في أودية مطالبهم وإراداتهم فماذا سيبقى في القلب لله والدار الآخرة؟! وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان أضر على أبي طالب من قرناء السوء؟ فلم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة توجب له سعادة الأبد، وهي كلمة التوحيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه يقول: يا عم قل كلمة، كلمة حق أشفع لك بها عند الله، قل: لا إله إلا الله، و أبو جهل وغيره من عتاة قريش على رأسه من الجانب الآخر يقولون: تموت على غير ملة عبد المطلب ، وهو يقول:
إني لأعلم أن دين محمد من خير أديان البرية دينا




لو لا الملامة أو حذار مسبـة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا


فـأبو طالب يعلم بأن دين محمد صلى الله عليه وسلم خير أديان البرية ديناً، لكن يمنعه عن قول لا إله إلا الله، الملامة أو حذار مسبة، أن يلومه قومه، أو يسبوه بعد موته، ويقولون: مات على غير ملة آبائه وأجداده، فهذه الخلطة الشنيعة سببت هذا الوبال الذي حل بـأبي طالب ، ألم يقل الله عن أناس من أهل النار يعتذرون فيقولون: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةرَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [الأنعام:128]
فيقال لهم: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةالنَّارُ مَثْوَاكُمْ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [الأنعام:128] وهؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أوثاناً مودة بينهم في الحياة الدنيا، كما قال الله عز وجل: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [العنكبوت:25].



اجتماع الناس في مودة على شيء لا يرضي الله، سيكفر بعضهم ببعض يوم القيامة على هذا الاجتماع الذي اجتمعوا عليه، وكثير من الناس الآن يلتقون على مودة، لكن أي مودة؟ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةمَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [العنكبوت:25] اتخذوا من دون الله أوثاناً مودة بينهم في الحياة الدنيا، التقوا مودة، لكنها مودة شركية كفرية، مودة معاصٍ، وأهواء وشهوات، هذه الذي اجتمعوا عليها ففي يوم القيامة سيكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، فهذه الخلطة المحرمة، وهذه الخلطة بقرناء السوء هي التي ستردي صاحبها في نار جهنم، فيكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ومأواهم النار وما لهم من ناصرين.


فإن قال قائل هل الخلطة أصلاً محرمة؟ وهل الإنسان مطالب أن يعيش وحدانياً ليس له صاحب ولا صديق؟


فنقول: أبداً ليس الأمر كذلك، فإن الإنسان خلق اجتماعياً بطبعه: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [النحل:72] لتسكنوا إليها، وجعل الناس ذوي أشكال أو أرواح فيها تجاذب وفيها تنافر والناس يميل بعضهم إلى بعض، ويرتاح بعضهم إلى بعض، أقسام وجماعات وشيع، لكن لا بد أن نقول: إن الخلطة منها ما هو شرعي، مثل ما خاطب الله المؤمنين فقال: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [النساء:136] والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة) معناه: أن المسلم مطالب أن يكون في جماعة، إذا لم يكن في جماعة يشذ ومن شذ، شذ في النار.


وإذا لم يكن في جماعة فإن الذئب يأكل من الغنم القاصية؛ لأن الجماعة هي التي تقويه وتشد أزره وتغذي وريد إيمانه، وهي التي تشجعه، فيتقوى بعضهم ببعض، وتنعقد أواصر الأخوة في الله، إذاً: الجماعة الصالحة مطلوب من المسلم أن يختلط بها، ومطلوب من المسلم أن ينضوي تحت لوائها، ومطلوب من المسلم أن يكون فرداً من أفرادها، المجموعة الصالحة والرفقة الطيبة، لا بد من الاختلاط بها، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة، فلا يمكن للإنسان أن يقول: إننا من أجل إصلاح القلوب ينبغي أن نعيش منفردين ولا نخالط الناس، لكن أين الخطأ وأين الخطر؟ الجواب: الخطر في مخالطة أهل السوء، والاجتماع بقرناء السوء، وهذه الوحشة التي تحصل من امتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم، الذين دائماً يسيرون على الخطأ ولا يتوبون إلى الله ولا يرجعون، هؤلاء أنفاسهم دخان ينعقد في القلب، فيعلون القلب من هذا النتن، ومن هذا الران، مالا يعلمه إلا الله.

فإن قال قائل: أعطنا ضابطاً يضبط لنا الأمور في الاختلاط الجيد والاختلاط الرديء

فنقول: إذا خالطت الناس في الخير، كالجمعة والجماعات، والأعياد والحج، وتعلم العلم والجهاد في سبيل الله والنصيحة، فهذا اختلاط محمود بل هو مطلوب شرعاً، وينبغي عليك أن تفعل ذلك، وأن تعتزلهم في الشر وفضول المباحات، فإذا رأيتهم على لهو ولعب ومعاصٍ وفسوق، فلا يجوز لك أن تختلط بهم.

وإن قال قائل: إن الأوضاع اليوم لا تيسر لنا اجتماعاً دائماً على الخير، فإنني موظف في شركة، وطالب في مدرسة، وعضو في جامعة، وهذه الشركة، أو المدرسة، أو الجامعة، لا بد أن أذهب إليها، بحكم الدراسة والدوام، ولا بد أن أختلط بالطلبة والموظفين والناس الذين في ذلك المحل، وإنني تاجر وأختلط بالزبائن، فكيف أفعل؟ هل أترك هذه الأماكن لأن فيها سوءاً؟ فإن الأسواق فيها سوء، وكثير من المدارس قد يكون فيها سوء، والشركات فيها سوء، فهل أترك الخلطة في عملي في المستشفى أو الدائرة أو الشركة، وما إلى ذلك من أنوع أماكن التجمعات التي يتجمع فيها الناس لكي يعيشوا في وظائف، أو يعيشوا من الوظائف هذه في هذه التجمعات، هل أترك ذلك؟ فنقول: إن الاختلاط هنا أمر صار شبه مفروض عليك، ولا تستطيع أن تترك الاختلاط بهؤلاء الناس، في الشركة أو المستشفى، أو المدرسة، أو الجامعة أو السوق، فإذا دعتك الحاجة إلى خلطتهم، ولم يمكنك اعتزالهم وهم يفعلون أموراً من الشر؛ لأنك لن تعدم أحداً يدخن أو يغتاب أو يلعب الألعاب المحرمة، أو يأتي بمنكرات في المجلس الذي أنت فيه سواء في الشركة، أو الجامعة أو السوق أو المستشفى، أو المكان الذي أنت موجود فيه، ولا يمكن أن نقول للناس: عطلوا المستشفيات؛ لأن فيها اختلاطاً، وغادروا الشركات؛ لأن فيها مدراء سوء، واتركوا الجامعات؛ لأن فيها شللاً منحرفة، بل نحن مطالبون بالإصلاح ومطالبون بأن يكون لنا دور عملي نغير به الواقع، فيكون واقعاً يرضي الله عز وجل، فأنت طبيب في المستشفى، فلا بد أن تغير الواقع وتسعى في تغييره ليكون مرضياً لله، فتقاوم الاختلاط والسفور والخلوة المحرمة، وأنت طالب في المدرسة ينبغي أن تدافع المنكرات وتغير الواقع، وتقاوم قرناء السوء، وتقاوم الصورة المحرمة، والفلم المحرم الذي قد يجلب، والألعاب المحرمة، والنكت والطرائف المحرمة، وأنت في السوق ينبغي أن تقاوم البيوع المحرمة والتعامل الحرام مع الزبائن، والتحدث مع النساء مع تكسرهن في الكلام، ودعوتهن بالشهوات والمظاهر التي تجلب الشقاء للنفس، إذاً: نحن مهمتنا المدافعة وتغيير المنكر إلى ما يرضي الله عز وجل.


فإذا دعتنا الظروف لأن نكون مختلطين في هذا الواقع فماذا نفعل؟ لأن الواقع هذا قد يفسد القلب أو يقسيه، إنهم أناس لا يتورعون عن فعل الشر، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نتركهم، ولا بد أن نختلط بهم في حكم عملنا، وهذا مجال كسب ووظيفة، ولا بد أن نكون فيه فما هو الحل؟ فإذا دعت الحاجة إلى خلطتهم وهم على أمور من المنكرات والشر، ولا يمكنك اعتزالهم أبداً -لأنه قد يمكن اعتزالهم في الشر- وإذا جاء وقت المباحات أو الخير اختلطت بهم، لكن إذا لم يمكن، فالحذر الحذر أن توافقهم على منكرهم وشرورهم، وأن تصبر على أذاهم، لأنك ستدعو وتواجه بأنواع من الأذى؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر دون أن يلقى أذى، فإذا لم يجد الأذى معناه أن في سيره خطأ، إما أنه يداهن أو شيء من هذا القبيل، وإذا لم يجد في إنكاره أذى أبداً، فمعنى أن في إنكاره خطأ، طبعاً لا يشترط أن يكون الأذى كل مرة، فقد يجد قلباً متفتحاً وأذناً سامعة، وإنساناً مستجيباً ويثني عليه، فلا يشترط أن يجد الأذى كل مرة، ولكن في أحوال كثيرة، أو في بعض الأحيان، لا بد أن يجد شيئاً من الأذى، فالحذر أن توافقهم، واصبر على أذاهم.


وإذا دعتك الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، في أشياء من المباحات، فاجتهد أن تقلب ذلك المجلس طاعة لله، وأن تشجع نفسك على هذا الأمر وأن لا تستجيب للشيطان إذا قال لك هذا رياء، وأنت تريد أن تقلب المجلس إلى مجلس ذكر وأن تفتح مواضيع إسلامية، أنت مراءٍ، أنت تريد أن تبرز بينهم، على أنك أنت الشيخ وأنت الواعظ المذكر، وهذا رياء فلا تستجب للشيطان، وادع وذكّر: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة [الذاريات:55]

واستعن بالله عليهم، وأخلص في عملك، فإن أعجزتك المقادير فلم تستطع أن تغير أو أن تقلب المجلس إلى مجلس ذكر، فماذا تفعل؟ قال: ابن القيم رحمه الله فيمن هذا شأنه: "فليسل قلبه من بينهم، سل الشعرة من العجين وليكن فيهم حاضراً غائباً، قريباً بعيداً، نائماً يقظاً، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه؛ لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملأ الأعلى، وما أصعب هذا، وما أشقه على النفوس، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه".

أحياناً يضطر الإنسان أن يجلس في مجلس أو في مكان لا يمكن أن يتحول عنه يميناً أو يساراً ويعتزل هؤلاء الناس، فينبغي له أن يحاول، فإذا لم يستطع ولم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

مثلاً: نفرض أن فتاة ملتزمة بدينها، تعيش في بيت فيه معاصٍ ومنكرات، أقل ما فيها يرفعون صوت الموسيقى والأغاني في البيت، ماذا تفعل؟ هل تستطيع أن تعتزل البيت وتسكن في الشارع، أو في بيت آخر؟ ماذا تفعل وهي إنسانة مغلوبة على أمرها لا حول لها ولا قوة؟ في هذه الحال مثلاً لا يمكن أن تعتزلهم، لا يوجد مكان في البيت لا يصل إليها أذاهم فيه، فماذا تفعل؟ عند ذلك تطبق هذا الكلام النفيس: فليسل قلبه من بينهم سل الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضراً غائباً، حاضراً بجسده غائباً بقلبه، قريباً بعيداً، قريباً بجسده، بعيداً عنهم في ذكره لله عن هذه الأمور الشيطانية، نائماً يقظاً، نائماً عما هم فيه من المنكرات، لا يحس بها، يقظاً بذكر الله، ويلهج لسانه وقلبه بذكر الله، ينظر إليهم ولا يبصرهم، يراهم بعينه، لكن لا يبصرهم بقلبه؛ لأن قلبه في مكان آخر، ويسمع كلامهم ولا يعيها وقد يغنون ويغتابون، فإذا نهاهم ولم يجد فائدة، فيجلس يسمع الكلام لكن لا يعيه؛ لأنه لا يركز فيه الآن وينسجم معه وينساق مع الألحان، لكن لا يعي لأن قلبه في مكان آخر وهو لا يعي كلامهم؛ لأنه قد أخذ قلبه من بينهم، وألقى به إلى الملأ الأعلى وما أصعب هذا وأشقه على النفوس وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه.


هذا بالنسبة لأمر من مفسدات القلب وهو الخلطة المحرمة، وذكرنا الخلطة الشرعية، وذكرنا ماذا تفعل في حالة الضرورة، إذا اضطررت بالاختلاط بأناس من أصحاب المنكرات ولم يمكنك التغيير، ولا الاعتزال.



 

رد مع اقتباس
قديم 01-11-2012, 02:47 PM   #18
واثقة بالله
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية واثقة بالله
واثقة بالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 26107
 تاريخ التسجيل :  10 2008
 أخر زيارة : 18-06-2013 (07:29 PM)
 المشاركات : 9,896 [ + ]
 التقييم :  183
لوني المفضل : Cornflowerblue


الأسئلة:



حكم التعلق بالزوجة نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
السؤال: ما رأيك بالذي يتعلق بزوجته ولا يستطيع أن يصبر عنها دقيقة وربما سهر معها حتى ضاعت صلاة الفجر ؟

الجواب: طبعاً هذا من التعلق المذموم الذي ذكرناه لأنه قد أدى إلى ضياع فريضة.






ظاهرة الاختلاط نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
السؤال: ما رأيك فيمن قال في موضوع: أن صلة الرحم أن يجتمع العائلة بالنساء والرجال ولو اختلطوا أجلس معهم من باب صلة الرحم أحسن من ألا أجتمع معهم، فأكون قاطعاً ؟

الجواب: هذه حيلة شيطانية، وإلا فإن الإنسان يمكن أن يصل الرحم لكن دون أن يقع في المحرمات، ولا يحتاج إلى الجلوس مع النساء فبإمكانه أن يتصل بالهاتف، أو يرسل رسالة، أو يبلغ سلامه، أو يهدي هدية مالية أو عينية، أو شيئاً من هذا القبيل، فإذاً هناك وسائل أخرى للصلة.






حكم إعطاء مال الصدقة لغير ما تصدق له نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
السؤال: لدي مبلغ من المال لأسرة فقيرة سافرت وقد وجدت عائلة أخرى فقيرة، فهل أعطي المبلغ للعائلة الفقيرة الثانية أم أدخر المبلغ إلى حين ترجع الأسرة الفقيرة الأولى ؟

الجواب: ادخر المبلغ حتى ترجع الأسرة الأولى لأن الذي أعطوك نيتهم لهذه العائلة.






الصلاة خلف الصف نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
السؤال: أصلي خلف صف قد اكتمل أو أسحب؟


الجواب: تنظر حتى يأتي أناس آخرون، ولا تسحب أحداً أو تبحث عن مكان في الصف.






حكم مس المتوضئ ذكره نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
السؤال: ما حكم وضوء من مس ذكره؟

الجواب: من مس ذكره من غير شهوة الصحيح أن وضوءه لا ينتقض، لأن هذا هو الجمع الصحيح بين حديث أبي هريرة وبين حديث علي بن طلق (إنما هو بضعة منك) وحديث: (من مس ذكره فليتوضأ) قال شيخ الإسلام : هذا يدل على أنه يجمع بينهما أن من مس ذكره بشهوة ينتقض لحديث (من مس ذكره فليتوضأ)، ومن مس ذكره لغير شهوة مثل أن يلبس أحياناً الملابس بسرعة فيمس ذكره بيده بدون شهوة وقصد، فعند ذلك لا ينتقض وضوءه إعمالاً لحديث علي بن طلق : (إنما هو بضعة منك).






عظم الرجاء في الله نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
السؤال: أحس أن الله أحياناً راض عني إذا قمت بأعمال صالحة ؟


الجواب: إحساس لا بأس به، لكن لا تجزم لنفسك، وإنما كن على خوف: (( قلوبهم وجلة )).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا وإياكم شر أنفسنا، وأن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته وذكره وصلى الله على نبينا محمد.



 
التعديل الأخير تم بواسطة واثقة بالله ; 01-11-2012 الساعة 02:48 PM

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:31 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا