من قطع ورقة التقويم؟

من قطع ورقة التقويم؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد .
فهذه ذكريات عزيزة على قلبي لم أكن أظن يوما إني سأخرجها من مكنون نفسي . وما كنتُ أحسبُ إني سأسطرها بيراعي وأجعلها تتكلم بالنيابة عني . ما كنت لأظن إنني سأعيد فتح صفحتها من بعد طي..
حتى فتحت لي الذاكريات كوة بها أسترجع الماضي وآخذ منه العبر والدروس وأتذكر الفرح والترح والجد والهزل .. ولولا خوفي عليها من النسيان لما سمحت لليراع بان تسجلها ولما سمحت لللسان من أن يهذر بها ولأحكمت إغلاقها بحيث يكون اللب والرعب والحقد ..

(1)
ولتكن البداية من هنا ..
فإن أنسَ فلا أنسى ذلك اليوم وقد كنا صغارًا وكانت روح المنافسة والتحدي بيننا على أشدها ولو كانت صغيرة كعقولنا الصغيرة .. ومن عجائب المنافسة والتحدي الذي كان بيننا وقتئذٍ -المنافسة على قطع أوراق التقويم الذي كان في مسجد القرية فلا يكاد يمر يومًا دون أن نتسابق على آخذ هذا الشرف وقطع ورقة التقويم والاستفادة أيضًا من الحكم والفوائد التي تتضمنها هذه الورقة الصغيرة..
كنا ثلاثة لا بل كنا أربعة في سن متقاربةولم أتجاوز العاشرة بعد يومذاك . نلهو ونمرح معًا ونتسابق ونتنافس أيضَا معا ..وربما حزنا وأغضب بعضنا بعضًا ولكن لا يستمر ذلك كثيرًا فلم تكن حينئذٍ نفوسنا قد تشربت امراض الحقد ولا الحسد ولم تؤثر عليها الماديات ولا تمزقها الفتن.
ومن بين تلك الذكريات أذكر موقفًا حصل لي مع صديقانِ من أصدقائي الذي كنت أتنافس معهم في أشياء كثيرة مثل الأذان وقطع أوراق التقويم .. حيث قمتُ بالتسرع وقطعت ورقة من أوراق التقويم خطأ ولمّا ينقضي يوم تلك الورقة بعد..
ولا زلت أذكر وقوفنا بجانب المسجد بعد صلاة الظهر في حمأة الشمس وقد أحاط بي الصديقانِ وهم يعاتباني وينوباني على فعلت هذه الخرقاء ..
-كيف قطعت الورقة الخطأ؟
-ألم يكن عليك أن تتانى قبل قطع الورقة؟
-ماذا سيفعل الكبار لو عرفوا بإنك قطعت الورقة الخطأ؟ .. وهذه هي قاصمة الظهر فقد كنا نعمل ألف حساب للوم الكبار وكنا نخاف منهم كثيرًا وكان الكبار فزّاعة نُفزع بها إذا قمنا بعمل أخرق.

أصابني الذعر وأنا ذلك الصبي الصغير وأحساني بإني قمت بعمل في غاية الفضاعة .. لزمتُ السكوت ولم أنبس ببنت شفة

بعد السكوت قليلًا قال أكبرنا : أين الورقة؟
-ولِمَا تريد الورقة؟
-نريد أن نحاول أن نرجعها لو أستطعنا, أو تريد أن يكتشف الكبار ما فعلتَ؟
-لا لا هاك الورقة .. وأخرجت الورقة من جيبي وكنت قد طويتها مما أذهب بلمعانها.. ودلافنا إلى المسجد ثلاثتنا وقد فُتِح لي بعض الأمل في إرجاع تلك الورقة إلى مكانها ..
ولكن عبثًا يحاول صديقُنا أن يرجعها وقد قطعت من مكانها ..فشلت المحاولة وفتح الصديقان باب العتاب مجددًا ولم يوقفهم عن ذلك إلّا تفرقنا وذهاب كل واحد إلى سبيله..
ولم أدرِ ما حصل بعد ذلك .. وإن كنت لأظن إنني ألتقيت بهم عصرًا وأوسعنا أرضية الملعب ركضًا كما هي عادتنا في تلك الأيام.
ولا أذكر إننا تقاطعنا بسبب هذه الحادثة أو حصل بيننا جفا بل كانت القلوب صافية تنسى وتسامح قريبًا ولا تتنكر لناصح ينصحها ولو قسى..

ذهب ذلك اليوم ولم أدر كثيرا عن أحداثه وسيبقى حتى يوم القيامة الذي يأتي فيه ما نسيناه قال تعالى (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد)..
حاولت بعد مضي هذه السنوات الكثيرة وبعد مفارقتي لتلك القرية الصغيرة وسكناي بالمدينة أن أعيد هذه الذكريات وأعيد معايشتها ولو بصورة مختلفة ..
فقد تعودنا بعد صلاة الفجرأن يقوم الإمام بقلب ورقة التقويم فتمنيت ولو يومًا أن ينسى قلب الورقة حتى أقلبَها أنا بنفسي ..
كنت أنافسه على ذلك ولكن كانت هذه المنافسة لم أبح له بها ... حتى صادفت منه غرة في أحد الأيام حيث نسي أن يقلب ورقة الإربعاء .. فتقدمت منتشيًا إلى التقويم وقلبت الورقة مجددًا ذلك العهد ....
وإلى ذكرياتٍ أخرى ...


شاردة من أحد أوراق التقويم--------------------------------------------------------
زار أحدهم صديقه .. فذهب لإحضار له بعض القهوة وبقي ابن هذا الرجل يفتّش في وجه الضيف وفي رقبته وهو مندهشًا..
سأله الضيف : علام تفتش يا بني؟
-قال الطفل أفتش عن وجهك الآخر .. فقد سمعتُ أبي يقول أن لك وجهان.

المصدر: نفساني

ما شاء الله تبارك الله جميل ما قرأت ولفت نظري أسمك أنس :)
اقسم الك سررت جداً وأنا اقرا تلك الذكريات الجميلة وورقة التقويم وكأن بي عشتها لحظات وشعورك وخوفك وبرائتكم الجميله :)
الله يسعدك ويهنيك ويعيد لك كل ايام حلووه مع كل احبابك آمين